الثلاثاء ٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
بقلم زرين تاج برهيزكار

جذور التصوف في أفکار الهنود وعقائدهم

يعتبر العرفان معرفة تشتمل علی حالة معنوية لاتوصف، ويمکن للإنسان أن يصل في هذه الحالة إلی الوجود المطلق دون واسطة.ومن يريد أن يتذوق تلک الحالة يجب عليه أن يلتحق إلی أهل المعرفة.
تجدر الإشارة إلی أن الميل إلی العرفان لايتحقق إلا في بعض النفوس والطبائع وتقريبا لايوجد قوم لايمتلک جذورا للعرفان.بحيث يمکن أن نری عند الإنسان البدائي الذي لم يتجاوز مرحلة الوثنية، آيات من العقائد العرفانية والاعتقاد بالروح الکاملة وذلک لأن هذا الإنسان البدائي يعتقد بتأثير الوثن في مصيره ومصير العالم.

وفي الحقيقة إن العرفان موضوع عام يوجد بين قاطبة أقوام العالم والمشتبهات بين المذاهب العرفانية المختلفة لاتنم عن تأثيرها وتأثرها ببعض بل يؤکد علی شمولية العرفان واشتراکه.
ومن ناحية أخری يصطبغ العرفان في کلّ دين، بصبغة تلک الديانة ويشتمل علی المعرفة والرياضة والفناء.

بالرغم من أن بعض الباحثين أنکروا وجود موضوع العرفان الهندي ومع أن في الديانة الهندوسية لم تطرح عقيدة الخلق والخالق، إلا أن عقائد الفقر والزهد والرياضة والفناء ينتهي إلی العرفان بشکل ما.ومع أن الديانة الهندوسية لاتشتمل علی موضوع ثابت کوجود المطلق غير أنها في غايتها مصطبغة بصبغة العرفان لأن الغاية من تعاليمهم هو تحطيم الفردية والأنانية في الإنسان.

جذور التصوف في أفکار الهنود وعقائدهم

عندما نطالع تاريخ العقائد ومذاهب الهنود ندرک أن هذه البلاد القديمة کانت منذ القدم بيئة صالحة لنشأة العقائد الصوفية بل ارتقی في تلک البلاد أصل التصوف في ثوب غالبية المذاهب والمدارس الفکرية والفلسفية السائدة فيها.ولأجل هذا سميت الهند بمتحف المذاهب.
عندما نطالع المذاهب المختلفة الرائجة في هذه البلاد يتبين أن جميعها اتبعت أيديولوجيا خاصا وهو التصوف.

مذاهب الهند

تعتبر البوذية والبراهمية أقدم المذاهب الهندية وأکثرها رواجا.والمذهب البراهمية في الحقيقة هو الشکل المتکامل لمذهب ودائی القديم الذي کان مشوبا بالشرک.کانت البراهمية في أصلها علی أساس التوحيد إلا أنها تغيرت مع مرور الزمن وتم إدخال بعض العقائد الخرافية فيها کالتثليث.

تفسر کلمة براهما في لغة سنسکريت، بالله الذي خلق الکون کما تفسر بالذات المطلق ولکنها تم تغييرها فيما بعد إلی «تريموتري» بمعنی الرب الواحد الثلاث وتعتبر «الفيلا» و«ماها بارتا» و«رميايانا» و«بوراما» من الکتب المقدسة للبراهميين والتي تم تأليفها باللغة السنسکريتية قبل الميلاد بقرون.

وبعد أن ظهرت أديان أخری کالبوذية والجاينية، قام البراهميون بتغييرات في دينهم کي لايزول وکي يبقی حيا رائجا، حيث خلطوا بين هذا الدين والأديان الجديدة والأساطير العامة وهکذا نشأ دين جديد باسم الهندوسية التي تعتبر دين غالبية اليهود.
تحتل البوذية المرتبة الثانية من حيث القدم وعدد مقتنقيها في الهند.يعود تاريخ هذه الديانة إلی حوالي أليفين وخمسمائة عام کما أن عدد معتنقيها يزيد عن خمسمائة مليون بوذي في الهند والصين واليابان وسرنديب والتبت.
إن کلمة بوذا في لغة سنسکريت بمعنی عالم وصل إلی مرتبة الکمال.وهذا الاسم أطلق علی ملک أنشأ أساس هذا المذهب.ويعتبر کتابا «تری بيتاکا» و«بيتاکا» من کتب البوذيين المقدسة.

بعد أن مضی مائة قرن عن وفاة بوذا، ظهر اختلاف بشأن تفاسيره وأوامره وانقسمت هذه الديانة إلی قسمين.وهناک في الهند ديانات أخری کالجاينية واليوغا وودانتی ونيايد وسانکهية.

الرياضة

تشترک الديانات الهندية في أصل واحد وهو أن أساس السعادة والنجاح هو ترک الدنيا واللذات الجسدية إلی جاتب التعذيب الجسدي والرياضة.فيجب تعويد النفس علی أنواع الرياضات المتعبة کي تترک الملذات.
يعتقد البراهميون وفقا لنظرية التناسخ أن سعادة الإنسان تکمن في الحرمان والمتاعب التي يختارها ويرون أن ترک الملذات يؤدی إلی النجاة في الحياة التالية کما يرون أن الحياة الدنيوية والعودة إليها من الأمور المجبرة.فالتعب والعذاب لايفارقان الإنسان ويرافقانه إلی الأبد وليس للإنسان سبيل إلا قتل الأمنيات وترويض النفس وترک الملذات.إن الجاينية والسانکهية أيضا کالبراهمية تبتنيان علی النظرة التشاؤمية تجاه الحياة المادية وتری السعادة والنجاة في ترک القيود المادية والعلائق الجسدية وترک الدنيا.

تدعو الجاينية معتنقيها إلی الزهد ونسيان الذات وإلی رهبانية مفرطة کما تهتم کثيرا بالصوم والعری ولهذا يعيش غالبية الجاينيين وهو يلبسون قطعة قماش فقط.وفي الديانة اليوجية والتي يعرف معتنقوها بالجوکيان، يعتبر ترک الدنيا بواسطة الرياضات الشاقة المتعبة، الطريق الوحيد للخروج عن دائرة تجديد الحياة (التناسخ) والاتصال بالروح الکلية. إن التخلي عن الدنيا وتحمل الرياضات من الأصول المسلمة في الديانة البوذية أيضا.تشتمل هذه الديانة علی أربعة أصول أساسية يمکن تلخيصها في أصل واحد وهو الهروب من الحياة:

1. إن العالم کله تعب وعذاب وألم الحياة من لوازم الوجود.إن الآلام المتواصلة حاليا، کانت علی صلة بالآلام الماضية کما أنها ستؤدي إلی آلام مستقبلية.

2. أساس هذه الآلام هو الملذات والأمنيات وتمنّي هذه الملذات هو السبب الوحيد للمتاعب والمشقات التي سيواجهها الإنسان في الحياة القادمة.

3. إن التخلّي عن العلائق المادية والأمنيات والشهوات، يؤدي إلی السعادة والنجاة بعد العودة إلی الحياة المادية (التناسخ) والطريق الوحيد للوصول إلی مرتبة (نيروانا) والنجاة عن الآلام، هو الابتعاد عن الدنيا ولذاتها ومحاربة هواء النفس.

4. يجب علی الإنسان أن يعمل بأقصی طاقاته للتخلّي عن الشهوات والتمنيات والعلائق المادية کما يجب عليه أن يزيل العوائق التي تحول بينه وبين هذا الأمر.

تعلم الديانة البوذية، الفقر اعتمادا علی هذه الأصول الأربعة.إن الرهبان البوذيين اکتفوا عن مال الدنيا بکأس الفقر وروّجوا عقائدهم في القری والمدن، حفاة ولأجل هذا سمي المرتاضون البوذيون بالفقراء أيضا.
تعتبر قصة بوذا التي نقلها المؤرخون في کتب تواريخ الأديان نقلا عن مصادر بوذية، خير دليل علی التعاليم المذکورة.کان بوذا ملکا من قبيلة ساکياس باسم جوتاما.

يبدو أن الحکاية التي نقلها صدوق في کتابه «إکمال الدين» والعلامة مجلسي في «بحار الأنوار» بعنوان حکاية «بوذاسف» و«بلوهر» ترتبط بحياة بوذا قائد البوذيين إذ تمّ تغييرها بعد اختلاف وقع بين المسلمين والبوذيين والمرتاضين الهنود.
بعد أن ندرس أحوال الهنود نری أنهم يرون منذ القدم السعادة في ترک الدنيا وتحمل الرياضات والمشقات.ومن هذا المنطلق يعتبر أساس تعاليم الديانات الهندية في التخلّي عن القيود والأمنيات والملذات الدنيوية وتحمل المشقات.

نيروانا

إن کلمة نيروانا في لغة سنسکريت بمعنی الإزالة وفي اصطلاح البراهميين والبوذيين هو حالة تعتري الإنسان بعد أن أطفأ شمع ذاته وبد أن أفنی نفسه.
يری أبوريحان البيروني في کتابه ما للنهد، نيروانا، أنه نتيجة لإکمال مراحل العبادة والاتصال بالله.هذه العقيدة تعادل الفناء في اصطلاح المتصوفة المسلمين إذ يری المتصوفة أنه هو المرحلة الأخيرة للکمال والسلوک.
لايتفق الهنود في عقائدهم تجاه نيروانا.يعتقد البوذيون أن نيروانا عبارة عن وصول الروح الإنسانية إلی مقام يفقد ذاته الفردي ويتحد مع الروح الکلية والذات المطلق.إلا أن الجاينية تری أن الروح لاتفقد ذاتها لدی الوصول إلی نيروانا بل تصل في تلک الحالة إلی نوع من الرضی والطمأنينة.

أما في التصوف الإسلامي فالمتصوفة الذين يتبعون مدرسة التصوف النظري، يوافقون علی الرأي الأول بينما المتصوفة الذين يتمسکون بالاعتدال ويهتمون بالجوانب الأخلاقية والعملية، يفسرون الفناء مفقا للرأي الثاني.

مراحل السلوک

تعتقد الديانات الهندية أن الإنسان کي يصل إلی السعادة الأبدية (نيروانا) يجب عليه أن يمرّ بالسير والسلوک.يعلم «أوبانيشاد» هکذا: إن الذين يسيرون علی مذهب السلوک ويتمسکون بالرياضات ولايتزوجون ولايخلفون ويترکون الدنيا، بعد موتهم، يعبرون الشمس ويصلون إلی مکان لا فناء فيه.

يری البراهميون أن هناک أربعة مراحل للوصول إلی الفناء:

1. مرحلة الطلب والمريد إذ يجب علی السالک أن يوفی بشروط الطلب ويکون في خدمة المرشد خدمة تامة.
2. أن يتزوج بعد فترة.
3. أن يترک الأهل والمنزل ويعيش في الغابات والصحاری البعيدة عن القری والمدن عيشة زهد وينشغل بالرياضة.
4. هي مرحلة نيروانا ونسيان النفس إذ يصل السالک في هذه المرحلة إلی مقام البرهمن ويقوم بإرشاد الناس کالباعة المتجولين الذين لاشيء لهم.

في الديانة البوذية أيضا هناک ثمان مراحل للوصول إلی نيروانا.وفي الديانة اليوغية أيضا يجب علی السالک أن يمرّ بثمان مراحل للوصول إلی نيروانا.

وحدة الوجود

يبدو للباحث أن عقيدة وحدة الوجود لدی الهنود کانت قبل فلسفة الأفلاطونية الجديدة.يقول أبوريحان البيروني: يقول الهنود إن الموجود حقيقة واحدة وهي العلة الأولی التي تجلت في الکون بصور شتی وتلک هي القدرة التي تسربت إلی الأجزاء والأشخص في حالات متباينة وباعتقادهم من تشبّه بجميه کيانه بالعلة الأولی، سينضم إليها ويحدث هذا عندما يترک الملذات والأهواء.
يری البراهميون أن محاولة الإنسان لمعرفة خالق الکون أو الذات المطلق لاجدوی فيها.

التفکير والمراقبة

يعتبر التفکير والمراقبة من القضايا الهامة في التصوف کما يعتبران من الطقوس الدينية في الديانة البوذية.يقول أبوريحان البيروني في هذا المجال: يری الهنود أن التفکير إذا انصرف عن غير الله، يوهب بمواهب ثمان:

1. لطافة الجسد إذ يمکنه الخفاء عن العيون.
2. تحقير الجسد.
3. إجلال الروح.
4. تنفيذ أي عمل أراد.
5. معرفة کلّ شيء أحب.
6. الرئاسة علی أي فرقة أرادو
7. انقياد مرؤوسيه.
8. طيّ الأرض.

وإذا تمکن السالک من الأمور المذکورة يمکنه الوصول إلی مطلوبه تدريجيا ويتحد العاقل والمعقول.

ومن المناسبات الأخری للمرتاضين البوذيين والبراهميين يمکن الإشارة إلی لبس الملابس البالية، والتجول، والعيش في العراء والذکر الجماعي و... .

المصادر والمراجع

1. ارزش ميراث صوفية. د.عبدالحسين زرين کوب. أميرکبير. تهران. 1362ش.
2. اديان آسيايي. د.مهرداد بهار. نشر چشمه. تهران. 1375ش.
3. اديان ومکتبهای فلسفس هند. داريوش شايگان. تهران. لاتا.
4. اوبانيشادها. د.تاراچند. ترجمة سيدمحمد رضا جلالی نائيني. تهران. لاتا.
5. تاريخ اديان. علی اصغر حکمت. ابن سينا. تهران. 1345.
6. تاريخ اديان ومذاهب در ايران. عباس قدياني. تهران. لاتا.
7. تاريخ اديان ومذاهب. ميرحسين مير هاشمی. تصحيح زرين تاج پرهيزگار. تهران. 1385ش.
8. تاريخ تمدن (مشرق زمين گاهواره تمدن). ويل دورانت. ترجمة احمد آرام. تهران. 1337ش.
9. تاريخ جامع اديان. جان بی ناس. ترجمة علی اصغر حکمت. تهران. لاتا.
10. سرزمين هند. علی اصغر حکمت. تهران. 1337ش.
11. ما للهند. ابوريحان البيروني. ترجمة علی اکبر دانا سرشت. تهران.
12. نه گفتار در تاريخ اديان. علی اصغر حکمت. ابن سينا. تهران. 1342ش.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى