الجمعة ٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١

المتنـبّي في غفـوته الأخـيرة ...

الشاعر علي النحوي
غفا هل ينـامُ الصـّـقرُ قبـلَ بلوغـِـهِ
مـن الأفـقِ ما يهوى وما يتعشـّقُ؟
كبــيرٌ كهــذا الكونِ مــدَّ جنـاحَـــــهُ
فأمسى يسوقُ الرّيحَ زهـواً ويسبِقُ
ويومضُ كي يحيا على شرفةِ المدى
سحـابـاً يديـرُ المـاءَ كـأسـاً ويبــرُقُ
أمــيرٌ كــــأنَّ الغـــيمَ يحمــلُ قلبَـــهُ
على راحــةٍ بيضـاءَ تهـمي وتُغـدِقُ
على قــلقٍ يمــشي كـأنَّ طـريقــــَـهُ
جحــيمٌ وإنّ الحــرّ يشـقى ويقـــلقُ
يلـفُّ الجهــاتِ السّـتِ بين ردائِــــهِ
فتغربُ منه الشـّـمسُ حيناً وتُشرقُ
كـأنَّ الفضـاءَ الرّحبَ فــوقَ يمينِـهِ
إذا هزئتْ بالرّمـحِ والسّـيفِ بيـرقُ
يرتـّـبُ للصّحــراءِ نبــضَ حنينِهــا
إلى قلبهِ المُضنى وبالشّوقِ يَشرَقُ
 
المتنبي في غفوته الأخيرة (1)
 
على أيّ زندٍ يسكبُ النـّـومَ يا تُرى
ومـازالَ يجـلوْ الهمَّ صبحاً فيــأرقُ
هـوَ الليـلُ مـا أقسـاهُ بين جفـونِــهِ
على حُلِـمٍ أضنــاهُ يغفــو ويُطبـــقُ
على مغربِ الآمالِ يومضُ نجمـَــةً
ليسفرَ عن غاياتِــهِ البيضِ مشـرقُ
عزيــزٌ كـأنَّ الدّهــرَ يُسـقى إبــاءَهُ
فيمتــدُّ أغصـــاناً طـوالاً ويسمُــقُ
يـرفّ كـأنّ الهـــــمَّ بين ضلوعِـــهِ
مجــرّاتُ كونٍ بالفجـــائعِ تخفِـــقُ
غــريبٌ كـأنَّ الرّمـلَ قد عقّ رجلَهُ
فكادتْ بحقــلٍ مــن لظى تتفتــّـقُ
يغـادرُ في بغـدادَ كرمــةَ روحــِــهِ
لتجـني عناقـيدَ الصـّبابــةِ جُـلـّــقُ
كـذا تَنبتُ العليــاءُ في خطـواتـِــهِ
فتختصرُ الدّربَ الطـّـويلَ وتـورقُ
تضـيقُ بـهِ الدّنيا الوسيعـةُ عندما
يشـرّعُ بـابَ المسـتحـيلِ ويُغلِــــقُ
ويَشغَلُ كلَّ النّاسِ في بعضِ أمـرِهِ
ويُتعـبُ مـنْ يصبـو إليـهِ ويُرهـقُ
 
المتنبي في غفوته الأخيرة (2)
 
وحـيداً ينقـّي المجــدَ ممّـا يرومـُـهُ
ويعتِـقُ مـن أسـراهُ ما ليسَ يُعتـقُ
كشمسٍ تديرُ الضّوءَ مابينَ نحرِها
أكاليلَ تـُجري الصّبحَ نهــراً وتفلقُ
يغامـرُ في معـنى الحيــاةِ وينتــهي
إلى حاقــدٍ يـقســو وآخـــرَ يحنَـــقُ
فيسمـو كـأنّ الـوردَ نشــرُ فـــؤادِهِ
وينـدى كزهــرِ الياسمـينِ ويعبـَــقُ
ويقطــفُ من أيـكِ الظـّـنونِ يقـينَـهُ
ويحكي تفاصـيلَ الجنـونِ فيصــدقُ
ويخطـفُ من كبـْـدِ المنـايا خلــودَهُ
جميلاً كطلعِ النـّـخلِ يزهـو ويبسُـقُ
تحــــزّمَ بالدّنيــــا فثبـّـــتَ بيـدقــــاً
بشطرنجـِها لـــكنْ تفـلـّـتَ بيــــدقُ
مشى النـّـيلُ في آمالهِ البيضِ لجّـةً
تــُـبدّدُ مـا يســعى إليـــهِ وتــُهــرقُ
عصيٌّ عـلى الآجــالِ لـولا نكـايـــةٌ
تطــاردُ أقــــدارَ الـرّجـالِ وتســـرِقُ
غفـا بيـنَ زنـدِ المـوتِ حتّى كـأنـّـــهُ
على الموتِ من باقي المسافةِ يُشفقُ
 
المتنبي في غفوته الأخيرة (3)
الشاعر علي النحوي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى