الخميس ٢٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
بقلم ماهر طلبة

حرامى

انبعث الصياح من أرجاء العربة، وضعت يدى على جيبى.. تحسست حافظتى.. اطمأنت نفسى حين وجدتها.. «أذن ليس يهم»... الأصابع تشير باتجاهى، أخفض رأسى حتى لا تصيبنى... تلاحقنى كأنها أسلحة مشرعة.. اتلفت خلفى لعلى أجد المقصود.. يزداد حصار الأصابع لى فأفر.. كل من فى العربة يسرع خلفى.. مسافة كافية تفصل بيننا «لن يلحقوا بى»

 لكن لما انبعثت هذه الصيحة ؟... ولما اتجهت كل الأكف باتجاهى ؟.. هل حقا حدثت سرقة ؟.. حارة جانبية...

ربما... فالكلمة كانت تتردد من أكثر من مكان فى ذات الوقت.. فالسرقة حقيقة واقعة.. لكن لماذا أنا... ؟!!.. كنت واقفا مثل عشرات الواقفين.. أحاول حفظ الاتزان ممسكا بإحدى يدى الحديد والأخرى أطلق لها حرية الحركة.. «أين كانت يدى الأخرى؟!!» ... حارة جانبية

شئ غريب... لماذا اتفقت جميع الأصابع ؟!.. لماذا كنت دون كل الواقفين محط كل هذه الأنظار ؟!.. فى الحقيقة لا أدرى.. سوء فهم بالتأكيد.. لو أن كل من فى العربة سرق أو يسرق ما تغلغل الشك من براءتى إلى نفسى.. عليهم أن يؤمنوا بذلك .." كيف جرؤوا على الشك فىّ ؟! «ألا يعرفون من أنا»...... حارة جانبية

مازالوا خلفى.. أصواتهم.. تصك سمعى.. نبضات قلوبهم تحولت إلى نبضة قلب واحد يضخ الدم بأسرع ما يستطيع لعلهم يصلوا لى.. أسمعها بوضوح.. مازلت أحافظ على المسافة الفاصلة.. عددهم يتزايد.. صيحتهم الواحدة خلفى كأنها صيحة استعداد لشئ ما.. « كيف استطعت وبفرض أنى سرقت أن أوحد كل هذه الجموع؟!».. حارة جانبية

فالأسرع.. ربما كان السارق مازال بينهم يلاحقنى.. " لو وضعت يدى عليه لأذقته العذاب "... " لماذا لا أتوقف وأقوم بتفتيشهم لعلى أعثر عليه ؟!.."... " لماذا كان أول رد فعل لى هو الفرار ؟!"... " أنا برئ ودليل براءتى معى.. ألم يروا الشارة المعلقة على صدرى ؟!! "... " هل يمكن أن أكون السارق وأنا من أنا ؟!!"... فلماذا اخترت طريق الفرار ؟!!!.."الشارة ".. حارة جانبية

أهرول.. الجموع خلفى فى تزايد.. بدأ الإرهاق يصل إلى نفسى.. أحس أن قدمى لم تعد قادرة على حملى.. أخشى السقوط.. لو أستطيع الوقوف للحظات... " لو وقفت لضاقت المسافة بيننا.. لحقوا بى.. عندها لن يمكننى إقناعهم.. ".. علىّ أن أواصل الفرار.. أبحث عن مكان أختبئ به.. لعل الملل أو اليأس يصيبهم فيكفوا عن مطاردتى... آه... كم من الوقت يستمر هذا الوضع المتعب... حارة جانبية
"لست السارق.. أنتم لا تفهمون.. أصابعكم المشرعة فى اتجاهى دليل إدانة برئ" ... المسافة كما هى... ماذا أفعل ؟... الزحمة كانت خانقة.. روائح، عرق، أنفاس، شجارات وصراعات على مقاعد، ضربات خفية بين الواقفين، وتلامس حى، لعنات.. لعنات على من تسبب فى وضعهم هذا الموضع.. أحاديث.. كل من كان فى العربة كان يتحدث.. مواضيع مختلفة لا يوجد رابط بينها، ولا رابط بينهم.. فجأة دوى صوتهم كانفجار القنبلة.. حرامى.. توحدت كلماتهم... تحركت الأكف المتشابكة... " لماذا أنا..؟!!" ..... رعبى كان أكبر من حكمتى ففرت... " رعبى ؟!!!!!!!".... حارة جانبية

ماذا.... حائط.. لا منفذ... بعد كل هذا.. أقع بين أياديهم بسبب هذه الحارة الملعونة.. قلبى يتوقف رعبا.. لا مفر.. لا مهرب... أصواتهم تصل إلى سمعى.. رغم عدم ظهور هم.. نبضات القلب المتوحد... لعنات الغضب الخارجة من الفم.. أصوات الأقدام المقتربة... " لكن أين هم ؟!..." لا أرى أحدا.. الحارة سد كيف أفلتّ ؟!!... كيف ؟!!... كانوا يرونى.. وكنت أراهم.. لم أغب عن عيونهم لحظة واحدة.. نبضات القلب المتوحد مازالت تسمع لكن دبيب الأقدام من حولى يتلاشى..

 آه... مرهق أنا.. لا بد وأنى قد اجتزت عشرات الكيلومترات... أجلس على هذا الحجر لألتقط أنفاسى وأجفف عرقى.." محفظة من هذه ؟!!".... كيف سمحت لهم أن يتهمونى بالسرقة ؟!!... لماذا لم أتخذ ضدهم إجراءا قانونيا ؟!!.. اللعنة... " لو أنهم عادوا الآن لأخذتهم إلى أقرب قسم ووضعتهم جميعا فى زنزانة واحدة.. "... اللعنة.... مجهد ومتعب أنا..
علىّ أن أصل من جديد إلى المحطة وأنتظر..... ما هذا ؟!! الضجة... الأصوات... النبضات... اللعنات.... عائدون... فلأسرع.... فلأسرع... المسافة الكافية.... صيحتهم الواحدة تطاردنى.... المسافة الكافية... فلأسرع... فلأسرع.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى