الجمعة ٢٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
بقلم كريمة الإبراهيمي

امرأة خارج نطاق الخدمة..

مرارا أردتُ..وقررتُ..ولم أفعل..

كانت الأشياء تهزمني فأعود..

دوما كنتُ أعيش على الحافة، ودوما كان العالم كله في الضفة الأخرى من الحلم..

مازلتُ أذكر لقاءنا الأول بمقهى-الأحلام الجميلة-..

يومها بدأت أحبك،

وبدأ وجهك يغزوني..

حملتُ أمنياتي البسيطة وطويتها في يدك التي امتدت لتحضن يدي..

يومها كان العالم جميلا بما يكفي لأن أحلم..

وكان بريق ساحر يلوح بعينيك..

كان المقهى حالما بجدرانه المزركشة وواجهة البحر التي يطل عليها،

وكانت تلك السفن الصغيرة تجول به كأنما تؤدي رقصة منتظمة..
القهوة المعتقة ورائحة البحر ومساء خريفي ورجل يحمل بعينيه عالما من الدفء، كانت كافية ليولد الحب..ويبتسم العالم..

ابتسم العمر، وتطايرت النوارس ..
أضاءت نجمة في الفضاء،وركض شيء ما بالقلب..
سألتك وقد حاصرتني الأشياء الجميلة :
 ما الذي يجعل الأشياء تبدو في أعيننا أكثر جمالا؟
أجبتني وعيناك تستريحان بعيني:
 حين نصادف الذين نأتمنهم على أن تظل جميلة..
وكان البحر يقترب أكثر حتى لكأنه يضمنا في قلبه..
قلتَ وذاك الشعاع المضيء يملأ عينيك:
باسم البحر الذي يمتد أمامنا أطلب منك أن تكوني في حياتي..
ضحكتُ وقلتُ لك:
وباسم البحر الذي يمتد أمامنا أقبل.
واحتضن البحر أمنياتنا وغبنا في مسائه الذي من دفء..
استيقظ الورد بعيني وأنا أستقبل أيامي القادمة معك..
وتواصل بريق عينيك كما رأيته لأول مرة ونحن نجلس بذاك المقهى الجميل..
كانت كل أشيائي ترحل صوب عينيك،وكنت أبني عوالم جديدة وأزينها بأزاهير مختلفة..
بدا لي العالم أضيق بكثير من أحلامي وكنت تردد لي مع كل فجر:
العالم لنا..فلا توقفي الحلم..
وكانت يدك تغطي يدي فتوقظ ذاك العطر المخبأ بها والذي كلما ضممتني ملأ جسدي كله وتطايرت منه حمائم عاشقة..

** مرارا أردتُ..وقررتُ..ولم أفعل..

ومرارا كنتُ أعود إلى لحظة الانهزام الأولى..
يوم جعلتك محورا لكل أشيائي،
ويوم أقمتك حارسا لأحلامي..
ما كنتُ أدري أننا وحدنا نحرس أحلامنا ونمنحها الحياة..
وأنت كنت سيد أشيائي،
وكنت أغرق في أيامك يوم منحتك باسم الحب كل الصلاحيات لتحدد عوالمي..
كنت هاربة من زمن الجليد ،أفتش في يديك عن حلم واحد لايموت،
أفتش عن زمن واحد ورجل واحد يغير مفاهيمي للأشياء، يعيد لي إيماني بغد أكثر دفئا وجمالا..
يومها قلت لك:

 كن معي دوما..وامنحني قلبك لأستمر.
قلت لي:
 سأمنحك أحلاما لا تموت.
وكان أن تبعتك إلى آخر حدود الشوق..
عشر سنوات مرت..
وفر العمر من يدي وأنا أقف في مكاني..كان دوري محددا..أقل من سكرتيرة وأكثر من عاشقة بصفة شرعية..

كنتَ تنجح وكنتُ أفرح،
كنتَ تكبر وكنتُ أذوب مع الأيام بأدوار رسمتها لي لم تتجاوز عتبة البيت..بيتنا..
أذكر أنك قلت لي يوما والمقهى ذاته يضمنا:
 سيكون بيتنا صغيرا لكنه سيكبر بنا معا،
سيكون جنتنا وسنشيخ فيه وما نزال عاشقين..
شكوت من الوحدة يومها ومن غياب الحب،
قلتُ لك:

 الآن فقط وجدت نفسي..حبك وحده انتشلني من ضياعي..

لكن الذي حدث أن ذاك البيت الذي حدثتني عنه صار جحيمي وصرت أهرب منه لأبحث عني..
اكتشفت أنني فقدتُني في زحمة العمر الذي لفه البرد والضياع من جديد..
اكتشفت أنني لم أعش عمري بل عمرك أنت، وأن أحلامي كانت دخانا بعثرته في الهواء وأنت تعود إلي كل مساء لتروي لي مغامراتك..

أرتب ما تبقى مني في فستان جميل وأجلس إلى الشرفة وأنتظرك،
أنتظر أن تأتي مرة واحدة في موعدك لتضمني ،

أن تدعوني مرة لمطعم أو لمقهى -الأحلام الجميلة- لنتذكر أشياءنا،
أنتظر أن تخطئ مرة وتقول لي: أحبك..أو تعود حاملا وردة واحدة لتقول لي:هي لك فأتصور أيضا لو كذبا أنني مازلت حبيبتك.

لكنك تعود متأخرا، ومتعبا ولا تفكر حتى في أن تسألني عن يومي الذي أقضيه في سجنك الكبير..
أتأملك في صمت وأندس في سريري البارد إلى جانبك ويولد يوم آخر لأستيقظ على الروتين نفسه..
أجهز الطفلين إلى المدرسة وأعد لك الفطور وأجهز ملابسك وأرتب أشياءك وتأتي بقية القائمة التي لا تخرج عن إطار البيت..

أتذكر أنني يوم تخرجت من الجامعة مهندسة كهربائية وأتذكر أنني أخذت إجازة طويلة من عملي بعد ولادة طفلي الأول وأتذكر أنني تركته نهائيا بعد ولادة طفلي الثاني..
سافرت الأحلام بعيدا ولم أعد أتذكر أكثر من ذاك البيت الذي أدخلتني إياه لتقتلني باسم الحب..
هل يمكن أن يقتلنا الحب؟

طرحت السؤال على نفسي مرارا حين كنت أنهار وأبكي بمرارة أيامي الباردة..
وإذا الحب لم يقتلن،
أنا قتلت نفسي..

**كنت مرارا أصرخ بداخلي،

أبكي من العمق،

وأقرر أن أواجهك بكل شيء وأن أغادر البيت إلى غير رجعة ولكني لا أفعل..
أكتم ما يجتاحني وألهث من جديد في أركان ذاك البيت الذي صار باردا جدا ومتعبا جدا..
كم تمنيت أن أستيقظ ذات صباح لأجدني في مكان بعيد لا أعرف فيه أحدا،أتناول قهوتي دون أن أشعر بأنه علي أن أستعجل،

كم تمنيت أن أفقد ذاكرتي وأنسى أنني أحببتك يوما ومقهى -الأحلام الجميلة- يضمنا،
لكني أظل مقيدة إلى ذاك الوتد الذي صار أنت،
أنت ولا شيء آخر..

كل ما في عالمي حولتُه بلحظة إليك، لا شيء يمكن أن يحدث خارج حدودك أنت..
نسيت كل الأشياء الجميلة ،

ونسيت الحب..

تحولت إلى امرأة لا يتجاوز عالمها حدود بيتك ذاك،
امرأة بلا يوم وبلا غد،

مجرد كائن فقد حتى ملامح وجهه،

وكان عليك أن تفتش عن طعم جديد لأشيائك بينما تموت أشيائي،
وأدركت أنني كنتُ طوال تلك السنين أقتل نفسي،
وكان أن صرت امرأة خارج نطاق الخدمة..

**استجمعت كل قوتي وفصاحتي وقلت لك:

 أعتقد أنه لم يعد هناك ما يربطنا ..لننفصل..
وللمرة الأولى أكتشف أنني مازلت حرة..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى