السبت ٥ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم إياس يوسف ناصر

سأعود!

سأعودُ ليلاً متى أشاء! وسأشربُ الخمورَ في الحانات مع امرأةٍ لا أعرفُها، وسأنظُرُ في كلّ دقيقةٍ إلى ساعتي المعطَّلة، وسأمشي في الطرقات مُنتشيًا كأني لستُ وحدي، وسأُسنِدُ رأسي إلى جدار الليل تحت أعشاش السماء... سأعودُ ليلاً متى أشاء!

سأعودُ يومًا متى أشاء! وسأزورُ فلسطينَ كلَّها، وسأنتقلُ من بلدٍ إلى بلد، من غير أن أكتُبَ اسمي على هامتي، أو أزرعَ الشمسَ بمعول سلامتي، وسأنامُ في بيادر بلدتي، وسأسمع قصةً جديدةً من جدّتي، وسأمسَحُ عن خدود الزيتون ملامسَ الغرباء... سأعودُ يومًا متى أشاء!
سأعودُ ليلاً متى أشاء! وسأقرَعُ بابَ غرفتي كغريبٍ يسألُ عن غريب، وسأقتُلُ بسيف الحرية كلَّ تقاليدنا القاتلة، بقبلة أنثُرُها على ثغر حبيبتي في ساحة البلدة، وسأغسِلُ بدم الفتيات الذكيّ كفّ الأمة الملطَّخة بالدماء... سأعودُ ليلاً متى أشاء!

سأعودُ يومًا متى أشاء! وسأمشي في بلادي حرًّا طليقًا، لا جنديٌّ يوقفني ليسألَني عن اسمي الأخير، ولا شرطيةٌ تُسمعني خرافتَها الدينية، وسأبني بيتًا لي في وادي قريتنا، من غير أن يُهدَمَ ظلي بأحجار البناء... سأعودُ يومًا متى أشاء!

سأعودُ يومًا مع اللاجئين إلى قراهم، وسنَنفُضُ عن أرجلِنا غبارَ الرحلة الطويلة، ونمسَحُ عن جبهتنا عرقَ سنين العذاب، ونفتَحُ بمفاتيحنا أبوابَ البيوت المستندة إلى تلك اللحظة الأليمة من الزمن العصيب. سنضع عن أكتافِنا بيوتَنا التي حملناها سنين كثيرة، وسنخبِزُ العجينَ الذي تركناه في المِعجن، وسنضع عن النار إبريقَ الشاي الذي كان ينام على غفوة مواقدنا ويستيقظ على رائحة النعناع التي تُسيِّج مساكننا.

سنقف على جبل شامخ ناظرين إلى بلدٍ اسمُه فلسطين، وقريةٍ اسمُها فلسطين، وفتاةٍ اسمُها فلسطين. وسنكتُبُ بالمعاول والسنابل وجودَنا الأبديّ على أرض القيامة... أرض فلسطين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى