الثلاثاء ٨ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم السعيد موفقي

يشبه الحرقة...

كانت تظنه يحمل إليها زجاجة عطر، اعتقدت ذلك، أصابها نزق الأطفال...مرحت في بهوالغرفة...دندنت...ضحكت كطفل يعبث بلا نهاية، كانت هدية يلفّها في جريدة ذابلة، تشوه بداخلها أعمدة الشعر ونصوص أخرى أصابها الانكماش، ومقطوعات تشبه الكتابة، بلّلها غضب التجار والمارين وحملة القذارة ثمّ باعوها بلا ثمن ولم تعد صالحة للقراءة، في أسفلها نقاط تبحث عن استمرار، صفعتها ريح من زوايا المدينة، تكسرت لفاتها المتآكلة، فضحتها أعمدة مشوهة، تنتهي بأسماء مستعارة ماكرة، خشيت التبهديل...، تناقلها فراغ الشقاوة، امتنعت عن إقامة الأحلام التي اعتادت على ممارستها هناك، والصحبة يمارسون عادة الضحك، اعتادوا على ذلك...كل ذات مغرب أسود، لم تكن الحقيقة التي علمها منها، كانت إقامتها في بيت قديم متشابه، بابها من معدن الغفلة، يصرخ من بعيد، أدركت أنّه هوولا يمكن أن يكون غيره لكثرة حضوره هذا الوقت المتأخر من الليل، يحضن زجاجته ورائحة البول تفوح من تحته، لابد أنّ الزجاجة التي يحملها قد فعلت فعلها، جعلته يحلم كثيرا، أسرعت إلى الباب...كان بعيدا...تركت الباب مترددة...عادت إلى غرفتها تستر ما بقي من عورتها...كان صوته يقترب من الباب، يكرر أغنية مثقلة، حروفها مفككة...تصرخ...تقهقه،

يقول بملء فيه: أشهد أنّي كسرت زجاجتي، بعد أن بُلت فيها وأهديتك عطرها تكوني أنت حبيبتي ، قد لا تفهمين هذا الكلام يا حبيبتي، وساوسك تراكمت هذا المساء وستبقى كلّ مساء، والآن فهمتك، فأنت تريدينك وحدك في هذا البيت الخرب وكلّ النّساء تعالمن وتعلّمن خبث نوار الدفلى...، ويتحدثن عنك خفية، ولما يبصرنك إلا وأنت تهمسين في كل أذن وراء حائط دورة المياه !!! ويُهمس في أذنك التي لم تعد تسمع بوضوح، ويطعن فيك بكل الأشياء التي أحببتها ولما تفهمي أنّها تلاشت مع أول نسمة عابرة هذا الصباح الجميل واتجهت إلى مكان...لا يمكنك أن تدركي نهايته، حتى وإن وضعت نظارات العمق والخبث... وستظل لعبة المراوغة التي تمارسينها تراوغك، فتسقطي بين يدي، وزجاجة العطر قد ساح ما بقي منها على صدرك المشوه ولم أعد أرغب فيه، أصابه تجعد الحيزبون ، لن تعجبك صراحتي، فأنت كهذا الركام النتن ستظل قراءتك لكتابي موجعة حتى يدركك الموت، ويفصل بين رائحة الوجع وقهر الكبت، ركام آخر من الجنون والعبث والانهيار المفاجئ في شوارع المدينة، قرأت كتابك مثلما قرأت كتاب النّساء ذات يوم وقال لي الشيخ الموقر: "كيد النسا كيدين ومن كيد واحد جيت هارب، يتحزموبلفاع ويتكلموبالعقارب..."، ولا عجب أن أراك أفعى لعوبا أيضا، تحسنين عزف صوتك المبحوح، الذي تظنينه محبوبا!!! ويبكيك أحيانا مشهد العابرين في صمت وأنت تتألمين ولا تستألمين، أصابني منك قلق، وأنت تجوبين أزقة المدينة وحدك ، تختصمين مع ذاتك، وفي كل خطوة تنظرين إلى وجهك الذي أقلقك في المرآة، وظنّك العابرون تهمسين إلى حبيبك في هاتفك الذي لم يكن حبيبك الذي تنتظرين، واعتاد هؤلاء وأولئك منك هذا وغيره كثير...تعلمت منك يا حبيبتي شيئا واحدا "أن أنظر إليك بشفقة وأنت تتهاوين "وحبال العصمة تتباعد بمد بصرك الذي لم يعد يبصر...

حبيبتي لم أعد أفهمك وأنت تشاطرينهم جميعا همومهم..أدركت حينئذ أنّ النفاق لديك يشبه الحرقة والعشق والهيام، والتخلص منه ضرب من الموت...أنشدت قصائد موسومة بـ «أغنيات منافقة» .

حبيبتي...ألم يتعبك هذا العناء وأنت تحصين النازلات والصاعدات لتبلغي عنان الجبال وقد مزقتك استثناءات كثيرة، ذات اليمين وذات الشمال، تجاوزتك صفوف كنتِ تظنينها على منأى منهم وعلى قرب منك ، لكنّ عطرك الفواح الذي ألفيته لم يعد صالحا، غمرته عطور الحي وأبادته...وأغنيتك المملة تعفنت وإن حاولت إطراب كلّ الرجال واسترضاء كلّ النّساء...، لأنّ الحي لم يعد تطربه أغنيتك المبتذلة...وعروضك الماكرة وإن تظاهرت بالطيبة والوداعة، وهاتفك لا يشتغل إلا مع ما يشبهه أويشبهك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*- المأثور لـ “عبد الرحمن المجذوب” شيخ حكيم من أصل مغربي
له كتاب يضم ماثورا عظيما في الحياة وتفاصيل المرأة والرجل،والخير والشر، والحق والباطل…..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى