الاثنين ٧ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم مصطفى أدمين

رحلة بلاد عمرو بن زيد شحاتة

حدّثني أبو ضياء؛ قال:
ليس السفرُ محصوراً في المكان، إذ من الممكن أن نسافر في الزمان أيضاً. الوسيلة في ذلك هي التفكير والتأمل. نَبيتُ في التفكير وفي أحد صباحاته النَّدِية، نجمع في صُرَّة السفر كل ما يلزم من أسئلة وفرضيات واحتمالات ضرورية. فنركب مركب العلم ونُبحر به في بحور المستقبل؛ ويا لَهْوْلِ ما قد نصادف في رحلتنا تلك إذا كان الزمن الذي نركبه زمن الذل!

كنت أقطن في زمن 840 ، فرحل بي ركوب (التّخْمام) إلى مدن لم أقرأ عنها في كتاب: ابن جرير، إنزكان، إمِنْتانوتْ، قلعة السّراغِنة، بَنْسَرْﮔاوْ أﮔادير المُناقضة لنفسِها، واللائحة طويلة... وكُلُّها مدن طغى فيها التسول وتجَبَّر حتى أنّك ترى الناس يتسولون أي شيء؛ يتسولون الخبز والحريرة والأمن والديمقراطية وحقوق الإنسان والحب. فهل صادفتَ في حياتك من يقول لك: [رجاءً، أعْطني عضة ً من الحب] وأما أنا فلقد رأيت وسمعت من يطلب ذلك الطلب الذليل من امرأة وقد كان يحمل كتبا ويضع على عينيه الذابلتين نظارات الثقافة الموبوءة؛ هذا لأخبرك أن التسول في بلد عمرو بن زيد شحاتة، ليس حصرا على الأميين؛ بل إن هذا الوباء طال أيضا طبقة المتعلمين. فكُلُّ فرد من أفراد ذلك المجتمع المستقبلي شحاذ بالسليقة. ولما نظرت في أحوالهم الظاهرية والباطنية بان لي أنهم، ما احترفوا التسوُّلَ إلا لكونهم معتوهين. وفي كل واحد منهم عاهة: فهذا أعور وهذا أعرج وذاك مريض يخرج من صدره أنبوب دم مطاطي وآخر يتبول من جنبه، ومن لا يقدر على حصر غائطه، ومن تركها زوجها فريسة للمجتمع، ومن خان مواقفه النبيلة وصار يطلبُ التعويضات من عدوّه اللدود لأجل ما ظلمه. فهل ترى؟...ألا ما أغبى أُناس بلد عمرو بن زيد شحاتة؟

في ذلك البلد المستقبلي، حتى الحكيم يشحذ والطبيب ورب المعمل. وكنتُ دخلت البلد من غرب الزمان، فرأيت مدرسا يمد يده. والأمر كله أمر عادة سيئة ضعيفة على الكد والسعاية ألفوه . ورأيت وزراءهم يطلبون الصدقة من حاكمهم عمرو بن زيد شحاتة ويقولون:[يا حاكمنا، تصدّق علينا بـِ ﭬِلَل و شاليهات وشراب البراندي... وأما هو، فلقد راح يشحذ ممن هم أقوى منه حتى صارت الحكمة في ذلك البلد (التسوّل فنّ العصر). وذات يوم، خرج الحاكم في رعاياه بأسمال لا يرضاها الله والعبد، وخطب فيهم خطبة قصيرة جداً قال فيها:[يا الناس تسوّلوا فالتسول عماد الاقتصاد] فمن هبَّ إلى نصرة خطبته الضعيفة؟ المشعوذون السياسيون و(المشقَّفون) الفقراء طبعاً. ولعلمك فإن هذا البلد يوجد شمال بلد طابورستان أو قل، بلد الصفوف، ويحُدّه غربا بلد الخُلف، وشمالا، بلد الخلاء والقفار. ولا اعتراض عليَّ فالزمان كالمكان، وكُلُّ رحلاتي مجاز. فلا تكترث بما أخلفه من كلام! وعدت من إسرائي ليلاً فماذا وجدت في المكان؟ وجدت الكد والسعاية بادئين في بلادي؛ بضعة متسولين زارونا في هذا الصيف فجلبوا لنا العدوى، فهل أسكت أو أترك مرض المستقبل ينتشر في بلادي غرباتيا؟

ـ أبدا لن أفعل!.. وأنت هل ترضى بداء التسوّل أن ينتشر في بلدِك المحترم؟...

تقول (لا)؛ إذن، مرحباً بك في بلدِك الجديد... غُرْباتْيا وعليك السلام.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى