السبت ١٢ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم عدلة شداد خشيبون

ســراب

يحاصرني برد الصّيف، أحاول أن اتقيه بمعطف الصّدق فلا افلح، تهاجمني جيوش الكآبة، أحاول أن اتحداها بجرعة دواء ، فلا تنجح لاالمحاولات ولا الدّواء.

دموع غزيرة انسابت من مقلتيها حين أدركت بوعيّ أنّ من تحبّه أهداها خاتم الخداع، وربطها برباط غير مقدس ، رباط الغش والمكر والخداع، في حين كانت تشعر براحة نفسيّة كبيرة ، فهو من همس:يسري حبّك في اوردتي قبل الدمّ ، ويصل نفسك رئتيّ قبل هوائي ، يا له من مخداع ويا لها من مخدوعة وإن صحّ التّعبير فهي بلهاء وغبيّة حدّ الغباء.

ارتطمت بغص شجرة لم تنتبه اليه داستها سيّارة الإغراء وجدت نفسها وحيدة الاّ حقيبة مليئة بالمال وما لذي يجديه المال مقابل خدعة خاتم الماسيّ برّاق، جمعت قواها وأسلمت سيقانها للرّيح في شارع طويل أسود لا يخلو من مطبّات تعلو حينا وتنخفض حينًا حتّى وصلت مجمع تجاريّ كبير كبير ، دخلته كأنها متطوعة وخرجت ملكة عصرها تتباهي بأجمل فستان ابتاعته ، فستان مزركش من يحدّق به لن يخفى عليه حبّات اللؤلؤ اللامعة لا ولا بريق نجوم ذهبيّة تتوسطه كأنّها زنّار لملاك في أحد الشعانين .

أراها ولا تراني ألاحقها ولا تلحقني، حتّى دخلت حانوت آخر تبتاع هذه المرّة حذاءً ولا أجمل ولا أثمن، حذاؤها كان من جلد قويّ ضدّ الصّدمات، فقد طلبته يطأ الأرض الصّلبة والموحلة والمستنقعات على حدّ سواء ،وغابت برهة عن عينيّ حتى ضيّعتها، بحثت عنها، حدقتُ في الموجود وللاموجود لم أجدها، فاتخذت لي جانبًا في المقهى القريب أفكر بهزيمتي وضياع حقيقة كنت الاحقها، ورشفت فنجانين من القهوة المرّة التي أشربها عادة عن قهرّ وألم وحزن، وما أن انتيهت من آخر رشفة حتى لمحتها تخرج من حانوت للقبعات، وكانت تضع قبعة ساحرة على رأسها من يراها لا يتذكر الا الملكة الزابيث ، وابتهجت لرؤيتها ولم تدر بوجودي.

ودارت عقارب السّاعة دارت دورتين الاولى لتجد نفسها في مجمع آخر والثّانية لتخرج منه تحمل رزمة من مناديل ناعمة علّها تساعد في مسح دموع غزيرة لم تنجح باخفائها ، ودخلت لترتاح لا من عبء الأكياس التي تحملها إلاّ من عبء الحياة ومتاعبها ، لأجدها تشرب كوب ماء بعد أن بلعت حبتين من دواء زهريّ اللون مرّ الطعم ..

وها هي السّاعة لا تكلّ ولا تتعب ، تسير بسرعة لمن يتجاهلها ولا ينتبه إليها ، وببطء لمن يراقبها ويأمرها بالاسراع، وها هي سراب تعتلي طائرة بلا ركّاب وجواز سفرها قد ختم بشمع أسود وحدها من اعتلى الطّائرة ووحدها من كان يبحث عن مكان فارغ ، بعد أن سبقها البؤس واحتلّ المقعد الأمامي والحرمان المقعد الخلفي ،والذّل والهوان في المقعد الجانبي ، فوجدت نفسها بلا مقعد فمسكت بدعامة تتوسط الطّائرة لتتخدش أصابعها بوخزات الحزن والجفاء والخداع

وطارت طائرة سراب لتهبط في حقل أخضر اللون خلاّب ، فركت عينيها ارخت شفتيها تنمّ عن ابتسامة فيها ريبة وخوف ، استكانت لخضرة المكان سحرها منظر شمس الدفء والحرارة ، اطلقت شهقة وما أن هبطت طائرة الأحلام حتّى قرأت سراب لافتة بلون أحمر داكن

لا تنخدع أيّها الزّائر الكريم
أنّه حقل ألغام بلون أخضر
لا تطأ حتّى ولو بحذاء أبيض
فالالغام لا تهمها الألوان
الالغام لا تتقيد باللألوان

وهكذا تفجرت طائرة سراب تفجرت في حقل الغام بلا انغام

وطارت إذ ذاك سراب سراب ....ولكن بأشلاء وأشلاء


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى