السبت ١٩ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم عائشة الخواجا الرازم

يا وطن الزفت وداعاً !!

تتساقط دموعنا عليك يا وطني العربي من محيطه الغادر حتى خليجه السادر والجاهل بشعبه القادر، تتساقط دموعنا عليك جزاءً وعرفاناً لمجدك وجميلك الفطري، تتساقط مثل كتلة لا حدود لها من الزفت المتراكم، وتسيح ذوباناً حارقاً على برودة خدودنا التي اعتادت اللطم فما عاد فيها إحساس لوجع أو سلخ للملامح، تتساقط ثم تنهمر ثم لا تندمل وقد تشرئب العيون الجاحظة سعادة فوق سعادة على هياكل أهلنا العظمية، المنحوتة من عظام لم يبق عليها الزفت الساخن لحماً ولم يذر!!فنهمس بالحمد لله لم يصلني دور الهياكل الناشفة بعد!! وتفنجر المآقي شاكرة لعظمائنا فنتسابق لتلمس خيولهم الممسدة النهمة، بينما تستقبلنا خلال هجومنا المؤدب الطري بساطير عظمائنا تتدلى من فوق الحصان بالركل والغرور، فقد يتمرد الخيال على سنام حماره وهو يتمايل مبرطعاً معتقداً أن الحمار حصان أصيل، وسوف يبكيه عند الأصيل أو عند الغياب وركوب البديل، بينما نصطف سطوراً حامدة شاكرة لابدة الأعناق، نتبارى لتقديم الملبس اللذيذ الملون على أكفنا المرتعشة والممدودة لأفواه الخيول الأنيقة التي وقد تدندل عليها العظيم وارتدى بقعة الكبرياء ورفس السائس فينا فارتعدت فرائصه وخمد!!

نتسابق بأرجل مسلوخة ووجوه محفوفة بالولاء، وصدور تمور بالفوران الصامت والطاعة الصماء البكماء والقلوب العمياء، نازفين انتظاراً لصحوة تلفت انتباه العظيم لنحول أذرعنا واصفرار شديد في عيوننا وطأطأة في رقابنا عسى العظيم المتأرجح يصحو، وقد راح يبرطع هازاً قفاه ملوحاً بالسوط يهش على ظهورنا وننحني!!

ونتنافس لدخول الإسطبلات لتنظيف الروث العالق في أرض تموج بالأبخرة والروائح المنتنة، ونتنشق ريحها ونهمس: يا لعطر البغال والحمير وبعض الخيول ويا لجمال حذاء العظيم وقد لامست ظهور الدواب تلك، فتهب الكلاب تنهش أذرعنا العارية إلا من سخام.

نتلطى وراء عظمائنا متوارين خلف صفوف الورثة والباطنية ونتسابق على نيل الرضا باللمس بالهمس، فلا نجد غير كتل الزفت السائح من أعلى وجوهنا السوداء حتى أخمص سيقاننا المرتعشة، وتتكدس غلياناً تحت أقدامنا المنخورة لهاثاً وجرياً على طرقات الإسفلت اللزجة المبتورة أمامنا، فلا وراءنا يبقى ولا أمامنا يرقى بين اللاهثين في عالم التدهين، فتتلقف الأرض خطواتنا التائهة وتبتلعها الآبار المنهوبة التي لا تتعرف علينا، وقد أنكرتنا طويلاً وعبست عبوس النفط القاتم في وقت البرودة والصقيع والزمهرير الأخير بعد اشمئزاز طويل! فلا هي احتضنت لوعتنا و لا نحن أتقنا صف الطوابير المستيقظة ألماً لشدة انتعاش مزارع الخوازيق بقوة سماد الزفت في قيعان مجد الوطن من محيطه الغادر حتى خليجه السادر، حتى باتت الخوازيق العربية من تحتنا والنفاثات الشاربة زفته من فوقنا، وباتت دماؤنا بخسة وأرخص من أثمان البراميل المختومة المحترمة العائدة على عظمائنا باللون الذهبي بعد تكرير الزفت في أجسادنا وخروجه لامعاً على شكل أونصات أنيقة تسر عظماءنا الناظرين ونحن نفرح لهم وننحني قائلين: آمين يا رب العالمين!!

أصبحت أمتنا وأصبح الملك لله، مختومة بأختام من برميل فوار إلى بئر دوار بالزفت المغلي إلى وعاء في الرؤوس لا يصرخ إلا بقوله: عادي ونصيب ومكتوب على الجبين وها هي تراه العين!!

يا وطني العربي المنهوب، قد طال البكاء والعويل استنجاداً بأهل لم يكونوا يوماً واقفين على حافة البئر ينشدون المحتوى للقسمة، ولم يظهروا يوماً كأهل نخوة لقسمة الزفت على مواقد المرتعدين حول الكوانين المطفأة، حتى تسخمت الخدود المجرحة بسخام اللون الأسود وقيل هؤلاء قوم الزفت فالحقوهم، وأمسينا وإذ بعظمائنا الذين نشرنا رقابنا على مذابح عشقنا لإسطبلاتهم المتخمجة روثاً وعنجهية، بين الأمم مطرودين موسومين بأسياخ الماشية الخاصة بلذع البقر المحلوب على كفي الراعي المتخصص بقيادة الماشية. لنكتشف أننا نحن الذين خدعنا عظماءنا بالتمسيد والتمليس والتدهين والتدليس، وأن الشراب اللذيذ المنتظر من هولهم جميعاً لم يكن سوى سراب يحسبه الظمآن ماءً، فشربنا كلنا من كؤوسهم ليس هنيئاً إنما دنيئاً والتهموا هم أباطيل الأطنان المطنطنة من الذهب الأصفر، حيث تكالبت على ذهبانهم الأمم الصديقة وصورته جامداً لا سيولة فيه ولا ليونة لشعب العظماء تشتهيه، وراح البطران والجائع والموسوم بالسخام وهبط عميقاً في غدر الأصدقاء والأعدقاء، الذين اشتروا النفوس البخسة وربتوا على أكتافهم حماة لهم ولأعناقهم ووظفوها ليوم غفلة وهم لا يدركون، حيث لا ينفع ذهب مدندش ولا الماس مدندل في أعناق العظيم المجندل بأفواه سادته وأكلة قصعته وشاربي دماء أهله، ها هي تتجندل خيولهم وتتلوث أرضيات كراسيهم الموبوءة باللزوجة الحمراء حيث لا تنفع الطنافس والحرير ولا أونصات الذهب!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى