الأحد ٦ آذار (مارس) ٢٠١١
أيها الحكام: لقد أضعتم
بقلم عائشة الخواجا الرازم

خبزنا المخبوز وماءنا في الكوز

منذ مشاهدتي لجسد البوعزيزي مسجى في المشفى، وملفوفاً بالأبيض يتنفس تحت لوعة الحريق أمام زين العابدين الراحل، تكونت في ذهني حفلات قادمة لا تخلو من مجون الغضب تشبه ما يسمى الآن بهيروين المرحلة، وهلوسات الساحات، ومجون الجماهير، وفوضى العرمرم الشبابي الذي يطلق عليه القادة وبعض السفهاء خبل المراهقة، وفجأة أصبت بدوار وارتفاع في الضغط تلاءم مع الصداع النافر في عينين على شكل بعض دموع تجسدت في تكوينات متلاطمة على شكل صور وأفلام ومشاهد مختزنة لأبناء وطني العربي وهم يقفون طوابير محتفلة في الجامعات، تحيطها هالات الأحلام والزغاريد وعباءات الأمل للعمل! حيث يتأرجح السهر والصحو والدمع على أرجوحة الانتظار المنسوج بالوعود، وتنقسم الأعمار في شباب غض واعد ما بين العيب وما بين الشيب، مخترقة طريق التساؤل إلى متى الانتظار؟ فيقفل الشباب يحدوهم الوجع والحاجة إلى بعض فرش من الخشب يدقون مساميرها في الليل بعيداً عن أعين أخواتهم وأخوتهم الصغار الذين يرونهم نماذج للمدرسة، حريصين على التهيب أمام النشء البريء كي لا ينثروا الكتب في عراء الوطن!! وينثروا فوقها تراب الشعار القائل علي وعلى أعدائي يا وطن!!

يحملون في بطون الفرش الخشبية في الفجر سراً وهم يخفون عن عائلاتهم ذل العيش وانهدام الأمل بالملح على الجرح، يحملون حفنات من مساطر وأقلام بيج ومحايات ومثلثات هندسية وأقلام رصاص، وتلك لا يتجاوز ربحها لشباب يخسره وطنه كل لحظة بضعة قروش، لكنها حلال زلال من الكبت السياسي الكامن في جوف لقمة العيش والمآسي رغم كيد المليارات الآيل إلى الزوال والماحق لخزائن الحكام اللصوص وبالمرة لهم ولكراسيهم الطبلة وللعيال!

ينظر الشباب نحو المتسوقين والمارة وفي عيونهم نهم الحياة وطرفة الشهادة العلمية ويبقى الوجع المأهول بالصبر ولا تنز من العينين دمعة إلا حين يشهدون الأرض وثمارها ومخزونها اللامع ينعكس على نوافذ تجار الوطن الملذوعين بلقب الحاكمية السلطوية، هؤلاء الذين توجوا رؤوسهم بعناقيد من الماس وشلالات القماش الحريري المزركش بلون جلد الشباب المحمر بحريق الجوع الكافر!!

تجول في عقلي حزن وبث مباشر تجاه مكنوزات الأرض حيث تسحقها بساطير الغائبين عن وعي معنى السلطة، وشملهم عرف الصولجان حتى لكأن العقول والقلوب مجرد تقليد لقلائد النهب المقبول والمسكوت عنه والمبارك!!

نظرت إلى جسد الشاب البوعزيزي فقلت: يا لهول ما يجيش صارخاً في صدور الشباب أمام صمته المريب في حضرة الحاكم المستغرب لفعلته تلك، كما تستغرب السيدة من حاجة الشعب للخبز فتنهرهم لماذا الخبز فالبسكويت لذيذ!!

حكام يستغربون، والاستغراب ديدنهم، غائبون أم حاضرون ؟ عقول مجمدة تحلم بأرصدة سائلة، لا يدركون الإجابات على الأسئلة إلا حين تزحف جيوش الشباب في الفضاء، فيحك الحاكم عقله وقد تململ للتخطيط بكيفية تسييل أرصدته ودلقها في جوفه كما يدلق مهربو الحشيش المحترفون والذين يتذوقون طعم المال القذر عسلاً ويعيد حك رأسه كمن به مس من الشيطان: أهي لحظات القيامة أم نفس الشباب اللوامة ؟ ويهز رأسه من غفوة دامت ثقيلة: وقد تناثر القمل من تلافيف شعره ورأسه المغطى بشلالات الدم وانتحى جانباً يفكر بصحوة قبل فوات الأوان، وفجأة يرتفع الأذان: إنه يوم القيامة، قيامتك أنت وكل من لف لفيفك وأغلق النوافذ وغلظ الجدران واعتقد أن ما يحوم حوله جيوش من الجرذان!!! إنه يوم الدم حيث لا يجف الرغيف ويغمس خبز الأعداء بدماء الأبرياء وأنت الأصم والصنم الخابز لتلك الأرغفة! وقد نال العدو الشيطان المتحفز الواقف على فوهة راسك الغائب، نال رغيف الشعوب العربية مطبوخاً بدماء الأبرياء على طبق من قش التراث المكنوز! والتهموا الخبز المخبوز والماء في الكوز!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى