الثلاثاء ٨ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم مصطفى أدمين

دور الثقافي في توعية السياسي

الشأن الثقافي هو آخر شأن يهتمُّ به السياسي المتخلِّف. ولذلك تراه لا يدرجُ الأعمال الثقافية إلا في مؤخرة أخباره الرسمية على وسائط إعلامه.

في مصر العظيمة (مثلا) الكثير من الأعمال المسرحية والسينمائية والأدبية التي تشي بفساد الحياة السياسية في البلاد: الانتهازية، الوصولية، الزبونية، الرشوة الجنسية، تزوير الانتخابات، تزوير الشهادات القضائية، القمع بمختلف أشكاله... ومع ذلك نرى السياسي البليد يضحك عند مشاهدته أو قراءته لهذه الأعمال وكأنها مجرّد "سكيتشات" خارجة عن الواقع المعيش لأجل المزيد من رفاهيته.

نذكر في هذا الباب الأعمال الجليلة لممثلين ومخرجين مصريين أذكياء من قبيل؛ محمد صبحي (الفذ)، عادل إمام (بغضّ النظر عن علاقاته بأهل السلطة)، يوسف القعيد، إبراهيم أصلان، نجيب محفوظ...

هولاء الشخوص مثلوا للحكام ما يرونه غير أهل بالنسبة لمصر العظيمة، ومع ذلك لم يفهمواْ، وتماطلواْ عند وجوب القيام بالإصلاحات السياسية والاجتماعية والثقافية الضرورية؛ إلى أن قامت ثورة الشباب وعصفتْ بالكبير قبل الصغير.

لو كنتُ سياسياً مسؤولا لاستمعتُ أكثر إلى صوت الثقافة قبل أن أستمع إلى صوت السياسة المبتذلة اللصيقة باحتقار الشعب والموالية للمصالح الخاصّة ومصالح أعداء الوطن.

هل محمد حسني مبارك شخص بليد وعدو لوطنِه وشعبه؟ لا يمكن لنا الحسم... ومع ذلك، لا بُدَّ من القول بأنّه، عندما استخفَّ بالشأن الثقافي، استخفَّ بوضعه الاعتباري وبذكائه.
في خلال القرن 19 كانت الثقافة الأساس التي شيَّدتْ عليه الثورة الصناعية والاجتماعية والفكرية في أوروبا.

ونحن العرب، ما زلنا (نعبد) الأشخاص؛ نصلّي لهم للمزيد من إفقارنا، نركع لهم للمزيد من إخضاعِنا، نسجد لهم، للمزيد من احتقارنا...

الوضعُ لا يخصُّ مصر العظيمة، بل يخصُّ جميع الدول العربية: تونس، ليبيا، البحرين، المملكة العربية السعودية، اليمن، والجزائر ومشتقاتها...

في المغرب، قامتْ مجموعة مِمنْ يسمون أنفسهم (مثقفين) وهم شرذمة من أشباح الأدباء الذين أكلوا من موائد الحُكّام العرب وشربوا ونامواْ... وتخندقواْ في أبراجهم العاجية، وحاصرواْ الأدباء الشباب، وساروا وراء مصالحهم اللاأدبية واللاثقافية، وفي لحظة تاريخية خارجة عن إرادتهم، قاموا ليندّدواْ بالعقيد معمّر القدّافي وأبنائه، وبليلى الطرابلسي وأهاليها، وبزين العابدين بنعلي، وبحسني مُبارك وأبنائه، وقبلهم؛ بصدّام حسين وأبنائه... لا لشيء سوى لكسب مودّة الحكام الحاليين... اللعنة عليهم!

عندما تعرّض المغرب للاعتداء على وحدته الترابية من طرف بعض الأحزاب السياسية والصحف الإسبانية، (قام الشعب) للتعبير عن ولائه للوطن وللملك في مظاهرات حاشدة ضدَّ الإسبان، وفي ليلة نفس يوم المظاهرات، احتشد الشعب في المقاهي للتصفيق والهتاف لصالح فريق (البارصا) الإسباني من دون إعارة الاهتمام لمباريات الفرق الوطنية (!؟) أين هم المثقفون في هذه الحالة؟ أستطيع أن أُجْزمْ بأنّهم أنفسَهم كانوا يصفقون ويهتفون للكُرَويين الإسبان (على الأقل بعضهم).

عندما يتحدث المثقف العربي عن المثقفين العرب فإنّهم يتخيّل ثلاثة أنواع من المثقفين:الكِبار ويضمّن نفسه ضمنهم، وهم المقربون من مراكز القرار وصناديق الدولة ووسائل إعلامها؛ والصغار وهم المثقفون الدائرون في فلكه من الانتهازيين والوصوليين والطامعين، والمهمّشين ممّن يُسقِطُ عنهم صفة (التثقيف) ويعتبرهم أقلّ من أن يكونواْ في/ وأبعد مِن أن يبلغواْ مُستواه؛ وهم الذين يُسمّيهم ب(القُرّاء).

هؤلاء (المثقفون الكبار والصغار) شرٌّ على الثقافة وخطرٌ على وعي الشعوب والحُكّام ويجبُ التصدّي لهم بالتثقيف الوطني الهادف كما يجب إسقاطهم من بروجهم العاجية، وتحطيم متاريسهم الطوباوية؛ ذلك لأنّهم ألِفواْ السفر والأكل والشراب والمال المجّاني، وأدمنواْ الصحف وأضواء التليفزيون، وحفلات التوقيع والجوائز الأدبية المشبوهة، وغير ذلك من الأمور غير الثقافية البتة.

لأربعين سنة أفتحُ الصفحة الثقافية لصحيفة سياسوية محسوبة على حزب (ديموكراسي) فماذا أجد؟ أجد دائما نفس الصورة لشخص يقترف الشعر دون محاسبة، بنفس الصورة البليدة، وتعبتُ أنا ولم يتعب هو، أو تتعب الصحيفة في عرض وجهه وشعره النشاز. ومع ذلك تراه يكرهُ احتكار السلطة و(يطالب) برحيل الزعيم الذي احتكر كرسي السلطة لمدّة أربعين سنة.
أكادُ أقول:المثقّف العربي البارز بُراز. فلا العروي، ولا سبيلا، ولا حميش، ولاالجابري، ولا بنيس، ولا الأشعري، ولا ساعف، ولا الشاوي، ولا بلكبير، ولا نجمي، ولا نيني، ولا الطبّال ... كلُّ استفاد من كعكة النظام مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، وكلٌّ ما قدّم لشعبه سوى الهراء (بحرف الخاء).

ماذا فعل المثقفون المغاربة الكبار من أجل الشعب والوطن؟... لا شيء يُذكر.

من هم المثقفون المغاربة الكبار؟... هم خائنون خائبون جبناء يستحلمون جائزة نوبل وما دونها.
هل استطاع المثقفون المغاربة الكبار توعية شعبهم ومليكهم وأبنائهم؟...

أنا أعرف بعض هولاء، وأستطيع القول بأنّهم أبعد ما يكونون عن الشأن الثقافي الهادف ذي القدرة على تغيير العقليات والمواقف والأوضاع الفكرية والاجتماعية. أنا أعرف أنّ منهم الشاذ جنسيا، والسارق الأدبي، والمؤلّه لذاته الحقيرة، وسارق المال العام، والمتحرّش بالطالبات أيّام الجامعة، والمحصّن بزوجته أو حزبه...

هذه قناعتي، وأنا لستُ منهم أو ممن يدور في فلكهم وأحمدُ الله على ذلك.

ولولا نصيحة اتخذتُها من كتاب الإمام الغزالي (رسالة إلى ولدي) لفعلتُ ما أستطيع لبلوغ الحاكم الأكبر لأجل أن أقول له هذه الكلمة:[إيّاكَ والمثقفين!] تماشيا مع نصيحة الإمام:[إيّاكَ وصُحبة الملوك!]

قد يقول بعض المعنيين بهذه المقالة:... وهذا واحدٌ آخر لم يهتم به أحد، فراح يفتري على أسياده لكي يُهتمَّ به.

وأنا أقول بصدق الشخص الذي صار يفكر في الموت أكثر مما يفكر في الحياة:أتحدّاك أن تقف أمامي وتناقشني في شأن الثقافة.

وعاش المثقفون الأحرار الضاربون عرض الحائط جميع الامتيازات، والعائشون مع عامّة الشعب من أمثال محمد شكري ومحمد زفزاف.

حين أريد رسم قائمة المثقفين المغاربة تتبادر إلى ذهني المئات، فلا أجد في حوزتي سوى بعض الأموات.

وعاش الوطن، وعاش الله.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى