الأربعاء ٩ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم حسن توفيق

بين الفوضى والثورة .. شعرة!

فد نتندر أحيانا على الأشياء الصغيرة التي تصادفنا في حياتنا اليومية، لكننا ننسى أو نتناسى أن الأشياء الصغيرة تلعب أدوارا كبيرة وحاسمة، تؤثر علينا سواء كنا أفرادا أو جماعات، فالشعرة خيط رفيع ودقيق، نكاد لا نراه، ومع هذا فإن سقوط شعرة من رأس امرأة تقف أمام المرآة لتمشط شعرها قد يجعلها تشعر بالخوف وبالفزع لأن هذا السقوط ينبهها إلى أنها توشك أن تتخطى سن الشباب، وبعيدا عن النساء فإن أحد حكماء العرب – وهو معاوية ابن أبي سفيان - كان قد أشار بوضوح إلى العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وضرورة أن تكون علاقة اتصال تتجلى فيها الحيوية المثمرة وليست علاقة انفصال يشوبها الجمود والبرود، حيث قال قولته الشهيرة: لو كانت بيني وبين الناس شعرة ما قطعتها.. أما علماء النفس وسواهم ممن يدرسون العبقريات الفنية والأدبية فإنهم يتحدثون عن الشعرة أو الخيط الرفيع الذي يفصل بين العبقرية والجنون!

على ضوء هذا وسواه أستطيع القول إن شعرة واحدة يمكنها أن تفصل بين الفوضى والثورة، وهناك أمثلة عديدة وغنية بالدلالات التي تؤكد هذا الفارق الدقيق، وما جرى في كل من تونس ومصر وليبيا خلال أواخر سنة 2010 وأوائل 2011 هو الشاهد الحي على أن شعرة واحدة تفصل بين الفوضى والثورة، بل إن هذا الشاهد الحي يتأكد تماما لو أننا عدنا إلى تاريخ أكثر الثورات الشعبية شهرة في العالم كله، وأقصد الثورة الفرنسية، فقد كان لتلك الثورة مفكرون وأدباء مشهورون أدركوا حتمية انفجارها، أو واكبوها ومن بينهم جان جاك روسو – صاحب كتاب العقد الاجتماعي - وفولتير صاحب المقولة الرائعة: إني أختلف معك في الرأي ولكني على استعداد لأن أدفع رأسي ثمنا لحريتك في إبداء رأيك!

إلى جانب هؤلاء المفكرين والأدباء كان هناك أناس ممن يطلق عليهم الغوغاء والدهماء أو السوقة والرعاع أو حتى البلطجية بلغة زماننا، وهنا أعود إلى كتاب تاريخ الثورة الفرنسية لألبير سوبول والذي أقتني الطبعة العربية الرابعة منه وقد صدرت في بيروت سنة 1989 أي بعد قيام الثورة الفرنسية بمائتي سنة. يقول ألبير سوبول - وهو يتحدث عن سقوط الباستيل يوم 14 يوليو سنة 1789 - كانت هناك جماعات تتجول في باريس يوم 13 يوليو بحثا عن الأسلحة وتهدد بتفتيش قصور الارستقراطيين، وبدأ الناس يحفرون الخنادق ويقيمون الحواجز، ومع الفجر كان عمال الحديد يصنعون الحراب إنما كان يلزمهم بنادق، وبعد الظهر رفض الحرس الذي تلقى الأمر بإخلاء باريس أن يطيع .. وفي يوم 14 يوليو طالبت الجماهير بالتسلح العام، فذهبت إلى قصر الإنفاليد بغية الحصول على أسلحة واستولت على 32000 بندقية ثم تابعت سيرها إلى الباستيل الذي كان يتحدى الهجوم الشعبي بجدرانه التي يبلغ ارتفاعها 30 مترا وخنادقه الملأى بالماء بعرض 25 مترا ومع هذا كله استطاع الشعب أن يندفع وأن يقتحم الباستيل!

تعمدت أن أنقل هذه الفقرة بالكامل من كتاب تاريخ الثورة الفرنسية وهي الثورة التي تفصلنا عنها 222 سنة وذلك لكي يمكننا أن نتأمل فيما هو متشابه بينها وبين الثورات التي اشتعلت في كل من تونس ومصر وليبيا منذ أواخر سنة 2010 وأوائل 2011 وهنا تتلاحق الأسئلة: ألم يكن الشعور بالظلم هو القاسم المشترك بين كل تلك الثورات وما سيتلوها بكل تأكيد من ثورات عربية شعبية توشك أن تنفجر معلنة عن نفسها ومطالبة بالحرية والكرامة وسبل الحياة الكريمة؟ ولماذا تم إشعال النار في السجون قبل أو بعد إطلاق المساجين من زنازينها في كل من تونس ومصر ؟ وكيف حصل ثوار ليبيا على الأسلحة المتنوعة بما فيها من مدافع مضادة للطائرات؟ ولماذا لم يتعظ الطاغية الليبي الأحمق مما جرى لمن سبقاه في السقوط في الدولتين الجارتين لأرض بلاده التي ظل يحكمها بالغباء والجهل والتعالي الكوميدي المثير للسخرية بل للتقزز ؟ وأخيرا – وهذا ما سأجيب عليه فيما بعد – كيف نستطيع أن نحدد طبيعة تلك الشعرة الرفيعة والدقيقة التي تفصل ما بين الفوضى والثورة ؟!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى