الأربعاء ١٦ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم أحمد الحارون

قطة لاجئة

انقطع التيار فجأة، فأسدل الليل ستائره، وراح الصمتُ يغرس نابه منقضاً على ضجيج ٍأبكم، تقوقع الجميعُ مكانه ساكناً لا تسمعُ إلا همساٌ، بكاء الصغار يقطعُ أنينَ السكون، وصوتُ ارتطام كرسىٍّ بصاحبه يأتيك من طرفٍ خفى، واجتمع محاقُ الشهروبرده مع غضبِ عواصفٍ، ورابعهم قيلولة التيار، تحولتْ القرية إلى أشباح وآذان صاغية، هدأ صوت الأطفال رويداً على ثدى أم التقطه جزعاً لا جوعاً، أو فناء شمعة تطعمنا نورها ليذوبَ داخلنا مانحاً أماناً ودفئا نلتمسه.

أهاج الظلام فى النفوس نوماً غير مأمول، وحرك فى آخرين يقظة أفئدة ناسكة، أوشهواتٍ مسعورة مكبوته، والتمستُ مذياعى القديم تريد أركانه أن تنقض، يقيم أوده أستيك فقد صفته حتى لا تخرج أحشاءه، ورحتُ أستجديه يسامرنى ظلام ليلى، أدرته برفق، أخرسه الليل، هززته بلين كى ينفضَ ما علاه من قسوة الهجر، أبى نطقاً كمن يعاقبُ حين مقدرة، رحتُ أتحسس بطاريته فصرختْ وتقيأتْ بصدأ وصديد فى جوفها وفاض ليعدى جيرانها، انقطعت أمعاءُ الرجاء لدى فى صديق أصارع معه أبابيل الليل العاصفة، تأففت وحدتى، بحثت مرغماًعن سِنةٍأو نومٍ، تهتُ فى أغطية تشبه كفن ميتٍ فى إحكامها، واتخذتُ رجاء النوم وسادة عل الجفنَ يثقله نوماً، أو ينقضُّ عليه حلمٌ ضل صاحبه، لكن..صوت الريح يعلو ويعبث بحباتِ رمالٍ يتيمةٍ تطرق نافذتى، تبحثُ عن ملاذٍ آمن، وأنى لى أن أرقَّ بحالها؟

الأشجار تنتحب وتصك وجهها تلتمسُ هدوء عاصفة، رب المطر فى أردافها، مناشر الغسيل تكاد تنفك من عقالها تاركة بناتها تذروها الرياح، هدها معانقة العاصفة رغبة ورهبة ...تتأوه ...تصرخ...تنادى على خلانها أن تجلدى واصبرى.

أحكمتُ الغطاء ليسكتَ النباحُ داخلى، تناومت، ثقلت الأجفان، وأرختْ رموشها لتعلنَ استسلاماً لباقة نوم تغازلها، ولكن سرعان ما عاد النوم أدراجه مولياً لتسمع عينى أنين قطةٍ بالباب ...إنها جارتى تشاركنى السطح، أعرف نغمها من بين كل القطط، انتظرتُ ليغادرنى صوتها، لكن.. لم ينقطع المواء، تريد أن توقظ البابَ النائم، تعضُّ عليه بأنيابها، لابد أن صقيعَ الليل أتى عليها، أو ربَّ سنورٍأهوج يتحرش على غير رغبة منها ،أو أنها تخشى أبا صغارها، اشتد المواء.... تحاول إمساك المقبض بأسنانها، انتبه الآخر الذى بداخلى،علا صوته يعاتبنى....ويعنف....أتدعى السمو والرحمة؛ فها هى ــ ربما بعثها الله ليختبرك، ربما كانت ملكٌ فى هيئة قطة ..أن انهض يا هذا قد تشهد لك أو عليك، انتبهتُ مذعوراً، وقذفت بالغطاء الذى يكبلنى دفئه بعيداً حتى تعدم يدى التقاطه، أشعلتُ قداحتى، فتحت البابَ لتلجَّ على عجل، أبتْ....داعبتْ قدمى اليمنى ثم اليسرى وكأنها تسلم وتشكر أن فزعتُ لها، عاد إليها بعض أمانها، فهزتْ جلدها ليجففَ شعراتٍ بللها خوفٌ، فتأوه قدمى من رذاذ صقيعها، احدودب ظهرى وجلستُ إليها ظننتها للبطن خاوية، ألمنى لهبُ قداحتى، فتناولتها بالأخرى، وصعدتُ بعض درجاتٍ لتأمنَ معى ما يخيفها بالأعلى، هزتْ ذيلها ...لا أريد صعوداً، وأشاحتْ بوجهها..أن انزل....تحسستُ بقدمى درجاتِ سُلمٍ متقرح بذنوبى نازلة، فأسرعتْ أمامى شاكرة، اتجهتُ نحو الباب الموصد، سمعتُ من خلفه مواء صغيرتها كانت رابضة فى زقاق...يبدو أنها طاردتْ فأرة... فانجحرت فى شقٍّ حتى ضعفتْ وجهدتْ، فردتْ أمها بنونوة عالية النبرة ممتزجة بحروف المد...نوووو..ناووو..نيييى لتهدأ من روعها، ففهمتْ من نونوتها أن انتظرى حتى يُفتحُ الباب وسأتيك صغيرتى، ففتحتُ لها البابَ...

وتركته لنفسى موارباً.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى