الأربعاء ١٦ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم حميد طولست

شباب الفيسبوك، الحزب المرعب

من يتابع العملية السياسية في بلادنا يراها اليوم، وعلى ضوء الحقائق التي تتحدث عن نفسها،ومن دون مبالغة أو مزايدة، بلا أفق واضح، رغم وجود الكثير من الأحزاب السياسية والعديد من النقابات المهنية، إلى جانب زخم الإطارات أخرى مسيرة، كالمجلس النيابي والبلديات التي من المفترض أنها وجدت لتأطير المواطنين وتعبر عن أمالهم، إلا أن المراقب العادي للساحة السياسية يرى أن الإنجازات -إن وجدت- لا تساوي مقدار ما يصرف عليها من أموال وموازنات ضخمة ومزايا لا حصر لها، فتبقى هذه الإطارات مجرد واجهات لا توازي مقدار ما يصرف عليها من أموال، تضيع أوقاتها وجهودها في قدح بعضها البعض، في الوقت الذي يجب أن تفكر فيه في وسائل تغيير بعض أجنداتها المتخلفة، وسلوكيات قادتها التقليديين المتحجرة، خاصة على مستوى تقنيات التواصل الجماهيري وإثارة النقاشات العمومية المؤطرة للجماهير، وتوجيهها لانقاد البلاد وتحريرها من كيد الجهلة والمشعوذين واللوبيات المتخصصة في الدعارة السياسية والفساد، التي تعتقد أنه بمجرد استعمالها لبعض المفاهيم وترديدها لبعض المصطلحات الحديثة كالديمقراطية وحقوق الإنسان والحكامة والاختلاف، تستطيع أن تستر دمامة فعلها، وتخفي ما تسببت فيه من معاناة الفقر والجهل والأمراض، التي ربما لم يشهد لها مثيلا حتى في العصر الحجري.

ومهما حاولت هذه الأحزاب، فلن تنجح في إخفاء دمامة الوجوه ولو وظفت كل مساحيق إعلامها الحزبي الحربائي المتلون بألوان الطيف المنكسر، وكل أساليب القمع والمساومة والاتهام، والتشكيك في مصداقية كل من يرفض طغيان الزيف وتقديس لغة الواجهة واحتقار الأعماق، ويؤمن بأن المغرب في حاجة إلى حلول تنموية حقيقية وليس إلى الكلام (الخاوي) من أي مصدر كان، سواء من قبل فئة الطبالة التنويريين فرسان الكلام الذين ليس لديهم حلول تنموية ولا يحسنون سوى التفلسف في الدين وتخلفه والبحث في الماضي عن هويات تحول التخلف لخصوصية وثقافة يجب العض عليها والنواجذ، أو من قبل "الغياطة" اللبراليين الذين لا تأثير لهم في تنمية البشر، أو إن تأثيرهم يكون في أحسن الأحوال، قريب من الصفر، أو حتى من طرف (الشطاحة) اليساريين الاشتراكيين والشيوعيين، وكل من يرقص منهم على جميع الحبال، والذين لا أحد منهم يدري ما هي تركيبة الأحداث الحالية المعقدة التي ظهرت بوادرها ردا على سياسة الإقصاء والتهميش وانتفاء المواطنة وتسليم أمور البلاد لعائلات معينة لا تهتم بمصير المواطن وترهن مقدراته، وليست لديها رغبة في بناء هذا الوطن، الشيء الذي اضطر معه عامة الناس وعلى رأسهم الجيل الجديدة من أبناء المغرب،- الذين لا يقبلون التزييف ولا يحتملون التملق الشائع الرخيص، ويرفضون مقولة العرب المأثور (ليس في الإمكان أفضل مما كان)- إلى النزول إلى الشوارع للانتفاض والتظاهر، رغبة في تغيير الأوضاع وبحثا عن الأفضل، مسلحين بروح الحوار وتقبل النقد البناء، لتصحيح مضمون وتاريخ حركتهم 20 فبراير التي يرى بعض قادة الأحزاب والكثير من الإطارات المسيرة للبلاد والإعلام السابح في مياهها الراكدة، أنها تفجير لمخزون الكبت والمعاناة والتهميش، أكثر منها رسالة للتغيير الشامل في المجتمع، ولذلك تصدوا لها، وخلقوا حولها القصص الغريبة التي تقدم منظميها للناس في صورة مخربين مرتبطين بمصالح خارجية، وأعداء للوطن ومتآمرين مع أعدائه وخصوم وحدته الترابية، ومنحلين أخلاقيًا، وتتخذها كدليل ومبرر على عدمية المبادرة والداعين لها رغم أنهم يشكلون الجزء الأكبر والمهم من المجتمع المغربي الذي يصبوا التحرر من الشعور بالدونية الاجتماعية، والحرمان التعيس، والجوع القاسي الكافر، ويتوق للانعتاق من الوضع الاجتماعي/الطبقي، الذي يعيشه جل المغاربة الذين لا يأكل أغلبهم لقمة عيشهم إلا مُغمسة بالقهر والظلم والإذلال والاضطهاد الاجتماعي، والذين صار الموت بالحريك، (أي الارتماء في أحضان أمواج البحار والمحيطات) أو حرقا (بنار البوعزيزية)، ارحم لديهم من العيش في ظل قهر وظلم الحكومات والأحزاب التي تعتبر الوطن وثرواته ملكا خاصا لهم ولعائلاتهم وأبنائهم وزبانيتهم ومحظياتهم، الذين، كلما انتفض الشباب في وجه الظلم وفي أي جهة من المملكة، تراهم يرددون دون حياء أو وجل، تلك النكتة السمجة (البايخة) القائلة: أن المنتفضين ينفذون أجندة خارجية.
صحيح أن إجراء التغييرات في حياتنا ليس يسيراً، ومهمة الشباب صعبة جدا، خاصة في مواجهة عقليات حكومية وحزبية متخاذلة حد خيانة الأمانة في التنصل من وعودها ودورها المفترض، حيث تعتبر كلها أو جلها، أن مطلب التغيير مسألة اختيار، بينما هو في حقيقته ضرورة ملحة إلى حد قد يكون حافظاً على الحياة، كما أنهم لا يتورعون في وصف نفس الشباب بالقطيع المندفع وراء (بروباغندات) وأكاذيب أجنبية ولا يفتر لسان حالهم عن ترديد: (أن العام زين ولي ما عجبو الحال يشرب لبحر، أي فليمت غيظا أو ليحرق نفسه من القهر من لم يعجبه الأمر).

ومع كل هذا وذاك، فقد نجحت حركة 20 فبراير في استقطاب كافة الفئات المغربية العطشى للحرية والعدالة الاجتماعية، وأفلح شباب الفيس بوك في إقناع الجماهير التي تئن من اجل التغيير الذي يُعتبر المنقذ والمخلص من جحيم ما هم فيه من أمور البلاد التي لم تعد تحتمل، حيث لا حقوق إنسان، ولا مواطنة، وكل شيء يتم تسخيره للمحظوظين المدعومين وزوجاتهم وأبنائهم.

نعم نجحت هذه الحركة، بقوة وعي الشباب وتفتح عقولهم على القيم الإنسانية الرفيعة، الحرية، الكرامة، العدالة، وتحررهم مما تشبعوا به من سلوك الهجرة (الحريك)، ولم يعد يشكل موسم الهجرة نحو الشمال يشكل قدرا محتوما لهم، ولا طموحا وإغراءا ونزوة في الحصول على الحلول السهلة لمشاكلهم النابعة بالضرورة من رحم ومتاهات الوطن وعطالته وفقره المدقع، ومن تنميته المعطوبة، وتحولهم عن (قطران) البلاد، نحو عسل البلدان الأخرى نحو "الفايسبوك" الذي وصل عدد أفراده إلى حوالي ثلاثة ملايين مهاجر مغربي، ولا يزالون يتدفقون بالمئات.. بعيدا عن قوارب الموت أو شاحنات الانتحار أو غيرها من طرق ووسائل الحريق الذين كان الشباب المغربي يمني بها نفسه بعبور إلى مستقبل فيه الكثير من المغامرة والمهانة.

من حقنا كمغاربة أن ننبهر، ومن حقنا أن تأخذنا الدهشة من شباب الفيسبوك وحركتهم القاعدية التي انطلقت بما يناسبٍ طبيعة ونفسية مجتمعنا بكل فئاته، طلبة وعاطلين وعمال وكادحين، الذي يكمن في المستوى العالي من الفهم والوعي و ليونة في التفكير والتعامل الذي أظهره هؤلاء الشباب وهذا الانتظام والانضباط والسلوك السلمي الحضاري والراقي المعتمد كلية على الطرق السلمية الحضارية في الاحتجاج والمطالبة بالحرية التي حلمنا بها.. والعدالة الاجتماعية التي نتمناها جميعاً، من حقنا أن نفرح ونندهش كما الأخذ الذي أخذتنا به الثورة التونسية والمصرية، اللتان ذاقت طعم لحظة انفتاح أبواب التغيير الذي انطلق فيهما في غمضة عين دون أن تستطيع أجهزة القمع، بكل ما تملك من امكانات، أن تحول دون انسياب رؤاها، أو تقطع السبل والطرق أمامها، أو تكبح التعبير عن غضبها، أو قمع كل صوت يعلو في وجوهها أو يعترض على سياساتها المستبدة، وهي التي تعتبر المتظاهرين مجرد حفنة من المشاغبين والمخربين والمتمسحين والحشاشة، كما فعل ذلك زين العابدين حين نعت شعبه بالمجرمين والمخربين وفعلها بعده القذافي حين وصف شعبه بالمقملين والجرذان المهلوسين والذي سبقه في ذلك مبارك حين سخر ابنه من بتوع الفايس بوك -حسب لهجة الإخوة المصريين- والذي ضحك من سماع أسماء (فيس بوك وتويتر) واعتبره لعبة أطفال، وأداة تسلية، حتى حلت الكارثة على رأسه، ورأس(اللي خلفوه) وأولهم والده رئيس الدولة الذي أسقطته فأرة أو (ماوس) بلغة الكمبيوتر بمساعدة الذراع الأيمن لـ(الكلافيي) من على كرسي الحكم وتركته يلعب بـ( البلايستيشن) لعبة الشباب الذين تخلى عنهم خلال حكمه الممتد، ولم يفكر لحظة أنهم الأمل وهم المستقبل، وأنهم قادرون على صنع ثورة إليكترونية سلاحها الانترنيت (الفيسبوك والتويتر واليوتوب)، وخيل إليه أنه بإمكان جماله وبغاله وبلطجيتة مواجهتها والقضاء عليها، وهي التي تجاوزت كل الأسلحة التقليدية المتمثلة في السلاح النووي أو آبار البترول والغاز وغيرها من مميزات القوة الكلاسيكية التي كانت ترتب على ضوئها الشعوب والدول وتعتبرها مدخلا أساسيا لقوتها.

هذه القوة الناعمة هي التي حولت الـ (٢٥٠) ألف شرطي تونسي إلى أقزام، وجعلت جحافل رجال أمن الدولة المصري، يتشرذمون ويتقوقعون أمام سطوة دعواته (الفايس بوك) وتدفقها على الانترنيت رغم ما تملك من آلاف بنادق القنص المتطورة للغاية، الفائقة الدقة، والمجهزة بتلسكوبات مقربة وأجهزة تصويب تعمل بأشعة الليزر، وذخيرة قوية، تستطيع أن تقتل أي إنسان في مدي ألف متر، وتصيب إصابات شديدة حتى على بعد أربعة آلاف متر، وهي نفس القوة اللينة التي هزمت رئيس وزراء إيطاليا برلسكوني وجعلته يعتذر للإيطاليين عن خيانته مع فتاة قاصر وغيرهم كثير جدا.

هذه القوة المخملية هي التي هزت مضاجع الملوك في قصورهم وأرعبت الأنظمة المترهلة وأحرجت الحكومات الفاسدة والمستبدة، وشكلت لهم صداعاً في الرأس وألماً في المعدة والعقل، ونزعت عنهم ثوب الصلاح الأبيض الذي كانوا يرتدونه أمام الناس وألبستهم زيهم الأصلي الأسود، ودفع الخوف من مستعمليها، الذين وصفهم عبد الرحمن الكواكبي بأولئك (الذين إذا جهلوا خافوا وإذا خافوا استسلموا والذين متى علموا قالوا ومتى قالوا فعلوا) بالكثير من حمقاهم للجوء إلى الإرهاب الفكري وتعطيل شبكات الانترنيت والهاتف المحمول وغلق المكاتب الصحفية والتشويش على القنوات الفضائية في محاولة بائسة لتأجيل الثورات ومواجهتها، وعمد بعض المتعقلين منهم إلى إجراءات ترمي لمحاصرة كافة مسببات الثورات العربية- التي أصبح الغرب القوي يقلد فيها الشرق الضعيف ويستلهم منه أشكالها، كما حدث ولأول مرة في التاريخ الغربي في مظاهرات ولاية ) ويسكانسن بماديسون (التي كتب المتظاهرون فيها على أقمصتهم شعارات (نحن مصريون) وذلك بتحسين أوضاع مواطنيهم وتغيير بعض ملامح الفساد في بلدانهم. بينما ارتأى البعض الآخر اقتناء بعض تلك التكنولوجيا التي يمتلكها الشباب، بعد أن استوعب جيدا الفلسفة الكامنة وراء الشبكة الاجتماعية المسماة (فيس بوك) وإدراك عمق الثورة المعلوماتية التي يعيشها العالم اليوم وتداعياتها الاجتماعية والسياسية، كما فعل الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية حين عرض على مارك زوكربيرج، مؤسس الفيسبوك، مبلغ (١٥٠) بليون دولار لشراء موقعه بالكامل، حسب تقرير نشره موقع داون وايرز الأمريكي، يوم الأحد 26 – 2 –2011. وعلق بعض الظرفاء بأن الملك عبد الله ربما يسعى بشرائه للموقع إلى تحويله إلى هيئة دينية تدعو الشباب إلى الصبر على كل بلاء يلحق بهم من قبل أنظمتهم، وذلك بتجنيد فريق ديني متخصص في الفتاوى لدعوة هؤلاء الشباب إلى تمجيد الحاكم، وتعظيمه وتفخيمه بدلا من الخروج عليه، وتكفير كل من يخرج عليه وأن مصيره سيكون جهنم وبئس المصير..

خلاصة القول هو أن ما أحدثته فأرة التكنولوجيا الحديثة في الأنظمة الفاسدة لخير دليل على أن الشباب هم عماد الأمة والمستقبل وأنهم صانعوا المعجزات وهم الذين سوف يحملون أوطانهم إلى بر الآمان طالما أن هناك عقل وحرية و(فأر وكلافيي) والعاقل من يأخذ العبرة من الفارة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى