السبت ١٩ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم نادية بيروك

الغريب

لم يمض على إقامته في هذا الزقاق الشعبي سوى أسبوعا واحدا، وهاهي ذي لا تقوى على مقاومة نظراته الحانية وصوته الهادئ ذو النبرة الموسيقية العذبة... تتعمد تنظيف الدرج كلما شاهدته قادما، تظل هنيهة وراء النافذة الزجاجية وهي تشرئب بعنقها نحو شرفته المضاءة. لكنها مع ذلك، تتصنع عدم الاكتراث كلما حياها تحية الصباح. بل حتى أنها لا ترد التحية. كم شغلها أمر هذا الغريب! إنه ليخرج قبل أن تشرق الشمس من مخدعه ولا يعود إلا في هجيج الليل وسط ظلامه البهيم. هذه المرة لم تقو حليمة على التظاهر بعدم المبالاة، لقد ردت تحيته، حتى أنها سلمت عليه بيد مرتجفة، مرتعشة، خجولة كادت أن تفصح عما يخالجها من مشاعر وأحاسيس غامضة. ترى أقرأ الغريب ما يعتمل بين جوارحها؟ لاشك أنه سمع خفقان قلبها المرتبك، وأحس بقشعريرة كهربائية

وهي تسري بين أصابعها الغضة، لقد كانت صبية بسيطة ساذجة، طاهرة، غواها إحساس لم تفهم معناه الكبير... بل انساقت بكل جوارحها وراء المجهول. كانت تلك الليلة عاصفة هوجاء وكان المطر الغزير يزأر في غضب وهو يهز أركان غرفتها الباردة، تسللت حليمة من بين أغطيتها الدافئة في حذر ولهفة، وبخطى الشوق المحموم كانت تتسلق السلم في حنين مجنون. مدت كفها الصغيرة نحو ذلك البيت الحبيب وهي تقرع الباب الذي انفتح على مصراعيه، حيث أشرقت ابتسامته المشجعة وهو يرنو إلى حبيبته المذهولة. دخلت و الفرحة باللقاء تملأ قلبها، لكنها خرجت والدموع تحفر أخاديد عميقة فوق خدودها الممتقعة. ورغم ذلك داعب الأمل أحلامها اللذيذة، فنامت على مضض وهي تراه زوجا وأبا صالحا، لكنها أفاقت ذات صباح على نغمات عصافير الحقيقة حين تفقدت صوته فلم تسمعه، وحين قرعت غرفته فلم يفتح بابها الموصد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى