الاثنين ٢١ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم إيمان أحمد

العهد الجديد

بيننا من المشانق والحرائق والموتِ أكثر بكثير من عهود السلام المحتمَلة، بيننا وطنٌ مشترَك وحروب متشابهة وجثث على قارعة الطريق، بيننا أفئدة وثمّة تساؤلات لم نعد نطرحها. بيننا لا توجد همزات وصل يا صديقي يمكن الاتكاء عليها.

قال لي احتفالا بذكرى وداعنا: اشتقت إليكِ.

وأجبتُه: بهذه المناسبة دعني أمنحك قصيدة وليدة، كتبتها إبَّان حربِكَ الأخيرة على ذلك الذي كان بيننا.

قال: تعنين حبّنا، تستحين – بعدُ – أن تقوليها؟

 بل يستحي الحبّ منا يا صديقي، تركناه وليدًا في طريق مهجورة، ومضى كلّ منا في اتجاه غير عابئ بما قد يحدث له.

 تعلمين جيّدًا لماذا.

 وأحبّ أن أتناسى في كلّ مرة أنَّ الحُبّ فرضية أكبر منّا.. أنّه طفل قابل للتبني دائمًا، قبل أن يظهر والداه فجأة يطالبان باسترجاعه.

دعاني لمشاركتِه التدخين.

فقلت له: بعدك يا صديقي امتنعتُ عن إطفاء حرائق كنت قبلك لا أخشى إشعالها ولا يهمّني كيف يتمّ إخمادها. خضتُ عدّة قلوب تشبه قلبك، فكانت خساراتي فادحة.. كسَبِيَّة يُفتَرَض بها أن تكون أميرة متوّجة..

بعد قلبِك أصبحتُ عاجزة حتى عن إشعال سيجارة!

قال: كُفّي عن حواراتك المتحذلقة هذه وتعالي هنا، وقَرَن حديثه بالفعل – لطالما كان رَجُلَ أفاعيل!-، وتضحك برضا – ككل مرة أقولها لك – في كلّ مرة وكأنّك تسمعها للمرة الأولى! يا للغرور! يا للرجال! سأكفّ حالا عن الهرطقة، سأهبط للواقع وأدخل في عالمِك.

أدَعُكَ تُقَبّلني وتضمني إليك، يغمرني عطرك ويزيدني ذراعك الملتفّ حولي دفئًا فيبدو كلّ فراغ الزمن الذي كان بيننا لوهلة غير مفهوم، وأتساءل عن الوالدين اللذان استرجعا طفلنا وتخونني الذاكرة.

تضع سيجارتك بين شفاهي برفق. أريد أن أقول لك: يا للقَتْلِ الرَّحيم. لكنّني أتراجع لكي لا أفسد اللحظة. أكتفي بالبقاء ملامسة لك مستمتعة بتفاصيلك المحببة، أخلع قميصي ذو الأكمام وأبقى بكنزة بلا أكمام تتيح لي الاقتراب فيك أكثر. لا أقاوم ذكرى ماضٍ انهمر كمطرٍ لم أتهيّأ للبلل الذي سيصيبني بسببه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى