الثلاثاء ٢٢ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم حسن توفيق

الحزب الوثني يتباهى بخراب وطني!

في الحروب لا بد أن يكون هناك منتصرون ومهزومون، وفي الحرب العالمية الثانية خرجت ألمانيا واليابان منكسرتين ومهزومتين، لكنهما استطاعتا – في زمن قياسي – أن تنهضا من جديد، وبعد نكسة يونيو 1967استطاعت مصر أن تنهض من جديد كما استطاع أبناؤها أن يحققوا المعجزات، بفضل الروح الجماعية التي أتاحت لهم أن يشيدوا السد العالي وأن يواجهوا تبعات حرب الاستنزاف المجيدة، محققين شعار تلك المرحلة المجيدة: يد تبني ويد تحمل السلاح، لكن ما جرى بعد انتصار مصر على الصهاينة عسكريا في حرب أكتوبر 1973 هو أمر يدعو للعجب، إذ تراجع دور مصر تماما وانضمت إلى قافلة الدول الطائعة والخانعة والتابعة لإرادة القوة الأمريكية!

تحكمت في مصر على امتداد ثلاثين سنة سلطة شائخة الروح والجسد، ظلت تتحالف مع اللصوص وسارقي اللقمة من أفواه الفقراء، معتمدة على الشرطة التي تحميها وتقمع معارضيها وتوفر حرية النهب لناهبيها وحرية الفساد للفاسدين والمرتزقة والمنتفعين، ولكي تكون هناك واجهة ديمقراطية مزيفة وملفقة تتواجد في الساحة أحزاب معارضة شكليا، لكنها مستأنسة عمليا بينما يهيمن على السلطة – دون منازع – حزب يسمونه الحزب الوطني، لكنه في جوهره حزب وثني، يعبد صنما متداعيا وآيلا للسقوط، كما ينضوي تحت لوائه – إن كان له لواء - من يقتلون الراقصات والفنانات إذا تغير المزاج كما كان يفعل شهريار قبل أن تروضه شهرزاد إلى جانب من يتسببون في إغراق ألوف البسطاء في أعماق البحر الأحمر، ومن يتفرجون على المئات من الفقراء الذي تحولت بيوتهم إلى أضرحة لهم وهم على قيد الحياة!

بكل بجاحة ووقاحة ودون أي حياء ودون تستر بأية ورقة توت قام هذا الحزب الوثني بما ارتكبه من عمليات غش وتزوير واضحة بل فاضحة، لكي يكون مقاس مجلس الشعب مناسبا للصنم القادم الحالم بأن يكون وريث الصنم الشائخ، وهكذا يدخل هؤلاء الوثنيون إلى مبنى البرلمان باسم الديمقراطية لأنهم المقاسات المناسبة للصنم القادم، تماما كما يدخل أي شخص إلى محل أحذية ليختار الحذاء المناسب لقدميه
مصر تتحدث عن نفسها .. قصيدة جميلة للشاعر حافظ إبراهيم، وكانت أم كلثوم قد عنتها سنة 1951 بعد أن لحنها العبقري رياض السنباطي ، وظلت هذه القصيدة المغناة تثير الحماسة والحيوية في قلوب أبناء مصر:

وقف الخلق ينظرون جميعا
كيف أبني قواعد المجد وحدي
وبناة الأهرام في سالف الدهر
.. كفوني الكلام عند التحدي
أنا إن قدر الإله مماتي
لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي

ما الذي كان يمكن أن يقوله حافظ إبراهيم لو أنه كان قد عاش تحت سطوة سلطة الحزب الوثني؟ هل كان يمكنه أن يقول: وقف الخلق ينظرون جميعا؟ أم أن هذا الشاعر الوطني وليس الوثني كان سيتلفت حوله حزينا مهموما إلى أن يصرخ بكل أسف ومرارة:

وقف الخلق يسخرون جميعا
حين يحمي عصابة الزور قيدي؟

ظل ذلك الحزب الوثني يتباهى بخراب وطني، لأنه لم يكن يدري أن الطوفان الذي اندفع بشكل حاسم ابتداء من يوم 25 يناير 2011 لن يعطي الفرصة للصنم الحالم لكي يرتفع ويعلو على عرش الخراب، فقد تحطمت منذ هذا اليوم التاريخي الرائع أصنام كثيرة، وتوالت عمليات السقوط في أكثر من أرض عربية، لكن علينا أن ندرك أن الهدم ليس صعبا، أما البناء الجديد فهو الذي يتطلب جهدا فائقا وروحا جماعية مبدعة، وهذا ما نترقبه جميعا لكنه لن يتحقق بين يوم وليلة، فالطريق طويل وما زلنا في بدايته.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى