الأربعاء ٢٣ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم محمد أبو عبيد

الناطقون «باسم الله»

فسطاطان من الناطقين باسم الله: الأول هم الذين يتخذون من البسملة مستهلاً لأي جهد فعلاً كان أو قولاً أو كتابة فينطقون باسم الله الرحمن الرحيم، وأغلبية المسلمين، إنْ ليس جلهم، يقومون بذلك. أما الفسطاط الثاني، وهو المقصود، فهم الذين نصّبوا أنفسهم ناطقين "باسم الله" من حيث لا يعلمون، فيُصْدرون أحكامهم على كل أمر من تدبير الخالق جلّ شأنه.
في مقالي الذي سبق هذا، وعنونته "غضب الله لا يلغي الظواهر العلمية" تجلى أمران لطالما كررتهما في أكثر من مقال ومقام، أولهما أن ثمة أزمة قراءة تتفشى في صدور العرب، وهي ليست أزمة عدم القراءة فهي أزمة مستقلة أخرى، إنما أزمة القراءة غير الدقيقة ولا الموضوعية لأي نص فيخرج القارىء بنتيجة غير واردة أصلاً في نص الكاتب فكأنه يقرأ كما يريد هو أن يفهم، حينها يصبح القارىء أخطر من الكاتب حيث يقوّل الأولُ الثانيَ ما لم يقل. لذلك استعصى على بعض من وقع نظره على المقال التفريق بين مسألة حدوث أمر بتدبير وعلم من الله، وتوصيف ما حدث إنْ كان غضباً أو امتحاناً أو تأكيدا للظواهر العلمية أو ربما راحة للطبيعة.

الأمر الثاني، وهو الأشد خطورة، إصرار البعض على إصدار أحكام على أية كارثة، مثلاً، وتوصيفها كما لو كانوا عالمين بنيات الله، فيما الخالق وحده الأعلم بنياته، مثلما وحده الأعلم بنيات خلقه، فهو أقرب إلينا من حبل الوريد. فإذا كانت حوادث في زماننا تتشابه في الحدث والنتيجة مع أخرى مضت عليها آلاف السنين، أو مئات منها، فليس من المؤكد أن الحكمة من ورائها هي ذاتها. فلا ريب في حوادث حصلت وصرح بها الخالق في كتابه العزيز أنها غضب منه، وضرب بها مثلاً على سوء العاقبة لأخذ العبرة، لكن هذا لا يعطي الحق لأي من بني البشر أن يزمجر بتوصيفات لكارثة حلت سواء بأمة أو حتى بفرد. ثمة من يعتبر مرض "الأيدز" عقاباً إلهياً، كما الطاعون، لكن ذلك لا يعني أن كل من أصيب به حل عليه عقاب الله، فقد تنقل العدوى إلى مُغتَصَبة لتكون ضحية المرض وناقله، أو قد يصاب طفل به، فليس من العقلانية أن يُقال هذا عقاب من الله بحقهما.

هؤلاء "الناطقون باسم الله" لا يَدَعون حادثة تمر من دون أن ينسبوها إلى غضب الله وعقابه أو ابتلاء منه لعبده الصالح، وكأنهم القضاة. فحادث السيارة يقولون فيه إن الضحية كان يسرق وهذا جزاؤه من عند ربه، وحريق في البيت يقولون عاقبه الله لأن أثاث منزلة بمال حرام، ونار تلتهم مؤسسة يقولون غضب من الله لأن صاحبها لم يكن يدفع الزكاة، وفاشل في الجامعة يعزون العاقبة لسخط من الله عليه لأنه لم يؤد العبادات، فهل هذا يعني أن كل من لم يتعرض لمثل تلك الحوادث هو عبد صالح !!!.

ليس المقصود هنا نفي إمكانية حدوث مثل تلك الأمور للأسباب المفترضة، معاذ الله، لكن لا يجوز أن يتخذ المرء من نفسه عالِماً بنية الله فينطق باسمه، والأجدى هو الدعوة للمريض بالشفاء، وللمتضرر بالتعويض وللفاشل بالنجاح وبالرحمة لبني البشر، والله وحده من يُحاسِب، ويصفح مثلما يعاقِب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى