الأربعاء ٢٣ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم السعيد موفقي

الذئب والزنقة والزنبقة

ظل في جحره أكثر من أربعين عاما مختفيا ومزهريته الجميلة لا تغادر غرفته والزنبقة تتلاشى في زاوياها...، اعتاد على بقْر الشويهات وهي صامتة، يتلذذ بفجيعتها كل ليل، كلّ مغيب، كلّ ظلمة شديدة...يهددها بجنونه ...ذات ليلة، وبينما كانت الخراف نائة، اشتدّ البرق والرعد، استيقظت على وقع أقدام خشنة تتقدم نحو البيت لم تذكر ذلك لأمّها، اصطنعت النوم لصرف نظرها وهي تراقبها، عزمت الخراف على كتم الأمر، المطر ينهمر ...تكشف الأم- من جهتا - الغطاء لتسترق السمع في هدوء وحذر ... تتسلل إلى ثقب يشبه النافدة...تنظر إلى العالم الخارجي... لم يشبع ذلك فضولها، تضع رداء على رأسها، تتوجه إلى الباب الذي ظلّ موصدا لأعوام ...، تصفعها ريح خفيفة كمن استيقظ من نومه...تنذرها بشيء ....تلتفت ذات اليمين وذات الشمال ...لا شيء سوى آثار كلاب ضالة وقطط عبثت وتركت المكان اعتادت على اللعب هنا وهناك تتربص بالصغار ملأ آثارها الماءُ المنهمر...أزعجها برق يلوح في الأفق...يزيد من روعها تختفي ...الأمّ مترددة في إلقاء نظرة خلف البيت بعد أن نحجت في فتح الباب، يدفعها فضولها للنظر مرة أخرى ولكن هذه المرة كما لو أنّها تشعر بوجود شيء مختف!!!.

بخطى خفيفة جدا تتوجه إلى المكان، تضغط بيدها على فمها وبالأخرى تتلمس الجدار الذي كثرت نتوءاته وصقعته السنون، يؤلمها قليلا وطرف ردائها تلعب به الريح في كل اتجاه ...في المقابل وميض على سطح الماء القريب منها ...في هذه اللحظة وعلى أثرها تتقدم الخراف، اجتمعت ظلالهم في هذه الظلمة الشديدة وبرودة الطقس الموجعة، لم تنتبه لخرافها، استشعرت أمرا ما...سيحدث، لم تجد شيئا، و كنّها تعتقد بوجوده، توجهت إلى طَرق كلّ الأبواب التي حرمتها منها الكلاب واللصوص، تهمس: افتحوا الباب استيقظوا...كما لو أنّها أدركت ما ينتظر الجميع ...استمرت... تطرق المدينة بابا...بابا...في تلك الليلة تدفقت الشوارع بسيولها، كان ذلك مع موعد الكلاب الضالة، نباحها يقترب ممتزجا بعواء، يشتدّ...
 صوت : تماسكوا تماسكوا.

يخرج الجميع ... مع اشتداد هطول الأمطار ... زحف الموكب في كلّ اتجاه... !!!
 صوت ثان: عو عو عو...
 صوت آخر: احذروا ! إنّها مكلوبة!، ارفعوا صوتكم، لا تدعوها بينكم، إنّها تحب امتصاص الدماء، وعندما تشبع تعبث، احذري أيتّها الخراف ...

استمر الصراخ والنّداء والعواء والدوي في كل مكان ... اختلطت الأصوات، اقترب الخليط من كل حدود المدينة، ازداد عذاب الذئاب، النعاج ولدت خرافا، تكاثر السرب، احترقت الخفافيش لما توهج ضياء الشمس، اشتدّ بياض المكان وتوهجت زواياه على ظلمته، شيء ما يحرّك العصي، تتوعد العواء وتملأ فراغاته ضربا أسطوريا، حينها شكّل الرسام لوحته، لم ينس رسم الشمس في أعلى الزاوية التي لاح منها الصبح، تشرّدت الكلاب والذئاب واللصوص والقطط عندما أعدم الرسام أشكالها بالرمادي واختفت خلف العدم...، تفقدت الأم خرافها التي أصبحت كباشا تناطح وترفس ... تروي حكايتها لأبنائها كلّ ليلة بإعجاب......وتسقي المزهرية من مائها...انتشت الزنبقة...وعمّ الهدوء الزنقة...
 قالت الأمّ لخرافها لن يعود الذئب إلى زنقتنا...
باتوا جميعا مسرورين من غير فزع .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى