الجمعة ٢٥ آذار (مارس) ٢٠١١
«جنون في منتصف الذاكرة»

للقاص الجزائري الزين نورالدين

بن خضرة كمال

لقد حلت بداية التسعينات، على منطق نظري يحث الخطى نحوالحداثة، وما بعدها مواكبا كتابات المغاربة، والغرب من المنطق، ودواليك القضايا وما إلى ذلك من التسميات والمفاهيم في الشعر مثلا ظهر عمار مرياش- نجيب أنزار – عبد الله الهامل – نور الدين حديبي – الطيب لسلوس – سعيد هاف – الأخضر بركة – حميد عبد القادر نورالدين مبخوتي وغيرهم كثير. انطلاقا من تجربة اللغة والشكل والآخر، ربما تميز بجرد ضبابية في الرؤى والكتابة فإن كان هذا في مجال الشعر فلا بد أن يواكبه هذا في مجال القصة، فالقصة مثلا برز مفتي بشير – علال سنقوفة – خليفة قرطي – جمال فوغالي – عبد الوهاب تمهاشت حسن علام بن منصور عبد الوهاب قلولي بن ساعد عزاليدين جلاوجي فيصل لحمر نبيل داودة جيلالي عمراني وغيرهم الكثير. مما يندرج فوق المستوى وتحته إلا أنه أحيانا ما يشد الانتباه والقراءة لم نتمكن منه بعد، خصوصا وأن البعض فتحت له الطريق إلا الإمكانيات وطرق النشر المتاحة له ودور النشر الغير متخصصة، وتروج له وسائل الإعلام الغير المتخصصة وبذلك تحصل على اسم مجانا في ساحة العميان، ولكن كما يقول المثل الشعبي "ما يبقى في الواد غير حجاره".

وهكذا يحصلنا في نهاية المطاف القاص "الزين نور الدين" على مجموعته القصصية المعنونة "بجنون في منتصف الذاكرة" التي بلغ مستواها الفني مبلغ العظام، من كتاب "الحداثة والشباب" المجوعة القصصية من منشورات الجاحظية سنة 1999 ضمن سلسلة الإبداع الفني. تضم سبعة (07) قصص قصيرة مختلفة الميزة الفنية في مستوى القص الجديد ولقد جاءت هذه المجموعة ضمن النص الأدبي بشمولية اللحمة المحكمية. وعليه فلا يمكن أن نخوض في غماراتها إلا بواسطة قراءة عميقة تدفعنا دائما إلى إعادة قراءتها منذ البداية إلى النهاية ودواليك.

في المضمار يقول تشيخوف إذا قرأت كتابا العديد من المرات استدعاءاً منه بكل بساطة يعني أن كتابه جيد ومهم، هذا المدخل نظريا بيد أن تطبيقيا أعجزتني الحيلة في جهة الدخول إلى فضاء هذه المجموعة القصصية إذ لم أقل وقفت حائرا لتعدد عواملها الجمالية والدلالية تقول القصة المعنونة "باليابس يسكن الشفاه" (قبل أن تمارس الشمس عملية الغميضة والاختفاء لتبدد خيوطها الذهبية خلف زعف النخيل...والكثبان الرملية المنتفخة كبطون عمالقة في نوم عميق) ص 15 تشكل بنيوية اللغة على التشابك والتعدد واكتشاف هذا الفضاء الإيحائي الموحي على التراث القروي بفعل تطويع اللغة من قبل المبدع – زين – اللغة الغير الطيعة من يمكن للقصة أن تتلاعب بالزمن كما تشاء الأفعال المتحركة، وكأننا نعيش مع دلكم الزمن.
بالحدث الجماعي، ومن ثم ينطلق الإيحاء والترميز الشعري بدية بالجملة إلى أعلى مستوياتها الأخرى، مثل "الرجال الثلاثة في داخل برأسهم تنام كوارث عظيمة في أحدابهم" ص 16.

تطرح من خلال الإفتراآت..........السياقية ملامح معينة لأهداف غير معنية بطبيعة الرؤيا الذاتية "تجيب في فزع كان الضوء باهتا وقرأ الأبجدية بالمقلوب مع آية الملوك المحرمة علينا..." ص 19. ومن هنا تطغى الصورة الكلية للقصة عبر الجزئي إلى الكلي بفعالية الحدث برسم رمزي يستنطق بها المجتمع الطابوالحرام مثل مجرد لهجة شعبية اعتيادية "آية الملوك" والعلاقة المتواجدة بين السلطة والفرد المحكوم وهذا الإطار تصب فيه الحركة الشعرية للأبطال الثلاث الذين زاروا المدينة نيابة عن السلطان، وعنفا للواقع الذي بدد النهاية "وفي بدويته تحرك قرص الشمس الفتي مهاجرا نحوالغروب ليرمي بخيوطه الذهبية خلف زعف النخيل لتعبث بها جحافل الظلام حتى التلاشي" ص 20 هذا الرفض للزمن القبيح تعامل معه "الزين" مع أبطاله التي لم يكن يتدخل فيها ليحركها من وراء الأحداث كما تفعل القصة الكلاسيكية، وهذه الأقصوصة "اليابس يسكن الشفاه" لها مسحة خاصة بتراكمها السربالي الغيي، ويستمر المبدع في إيقاعاتها المتميزة "المجموعة" الكتابة على مستوى آفاق القصة الجزائرية الحديثة مركبا مثلا قصة: "زوبعة الليلة الثالثة" من ماضي عاتي لم ينظر إليه القارئ، ولكن أدمجه فيه المبدع بغرابة الزمن المستقبلي "ما الذي سيحدث بعد ذلك يا ترى؟" ص 08 الدلالة الشعرية تسمرت هنا كثيرا خوفا من الآتي المدمر، وبعدها البطل "يزفر ثم يدفنها بين كتبه ويغير مكانه حين تحاول إغراءه بجمالها المشرق" ص 08 بمعنى "الصورة" هي التي تحاول جدبه إلى النموالمعكوس معها في الحدث بيد أنها كانت فعلا مغرية والخضوع لها كان مع حيرته الموزعة باللذة من جراء تركيب شعري جميل، يقول "حملتها بين حيرتي الموزعة باللذة المشرقة ركزت عيني على شفتيها جيدا" ص 08 بمعنى أنه منفصم الشخصية معها وهذا إن دل إنما يدل على شخصية الكاتب الغير الموفق في توازنه مع المبدأ المتطلب، وهذا ما أسقط البطل في جراح الماضي رويدا رويدا، أي مرحلة الفشل "هي الآن مجرد خيوط مهزومة على هوامش حيرتي" ص 08 لنجد هذا الانكسار لدى البطل مجرد عقدة خجولة تكررت على البطل الحزين من جراء الغرفة والكتب المبعثرة والدموع المبللة" بواسطة عبث وجودي سريالي لا يطاع إلا لمبدع فعال مع الرواية أوالقصة أوالمسرحية، فعل في تقنيات التعبير وبعدها تأخذ القصة نفسها منطقا آخر إلا وهو"انتشار الخير والرسالة الصفراء" ص 08 لينقلنا البطل إلى باقي الأمكنة المختلفة زمنيا ولكن متطابقة من حيث المضمون، وإن بدت متفرقة فهي خيط باهت يربطها بالوحدات الأخرى لبراعم قلم المبدع الاستفزازي للقراءة الصعبة.
وإن الأشكال السريالية التي تعامل معها المبدع في قصصه تظهر أنه مراس على الخلق والإبداع مكسراً جملة النحوالكلاسيكية متخطيا خطوط الجهاز يقول "في القصة رقم 08" " استقيت على آذانهم المعشوشبة تغيرت مسيرتي سحناتهم استحالت إلى حقيقة بإمكانك أن تغيرها على أوجه عدة" ص 10 ، اعشوشاب الآذان دلالة لغوية أسطورية تدل على صورة جذابة ربطا بين متن القارئ باللذة والتكثيف الشاعري المكون للصورة الأدبية المتمرئية ببناء الحركة ونفس الشيء في قصة "الجرح يندمل" المتحركة بالهالة، والصور الأدبية الإيحائية تقول "التفتوا يمينا ركزوا نظرتهم بين تجاعيد وجهها" ص 28 ويستمر في بناء الصورة الأدبية ".....و.....و....و.....ويقال...غير أن الرؤوس كانت مقلوبة والرؤى تسللت إلى خلاياهم المشعة بالرفض عكسيا وعوضا أن يبدؤوا بالكبار بدؤوا بالصغار..." ص 28 هذه الواقعية السحرية في رصد الأحداث وحدة دلالية متكاملة على الشكل والمضمون العربي بلغة الشعبي التقليدي التراثي...أما النقاط...التي تعمد المبدع تركها في النصوص فهي معنية للقارئ بإدراج فيها ما يشاء للتناسق الجمالي فقصة "الجرح يندمل" لوحة درامية ضمن إطار الحداثة القصصية المتواطئة مع بنية الزمان والمكان اختلاطا بين صوت البطل والمؤلف بلغة مختلفة عن الجاهز. وفعلا القاص "الزين نور الدين" كان موفقا في التشكيل البلاغي للصور الأدبية بداية بالتجريب في النص القصصي الموضوعي وهذا توفر حتى في بقية القصص التي لم يسعفنا الحظ لقراءتها مثل "جنون في منتصف الذاكرة" "صحوة الأرواح" وجثث الوجوه الجائعة وضجة أخرى بأنها كلها إجراء لغوي حديث بمعنى الذي تحدث فيها اللغة الشعرية والتشكيل المنفرد المتكلم بالرمز والأساطير الموظفة بها بصيغة الحكي. وبهذه الكلمة نستنتج أن هذه المجموعة القصصية الإيحائية فعلا خربت القراءة الجاهزة لتعد من بين النصوص القصصية الرائدة التي تنطوي على معاني بعيدة الدلالات المتقصدة للقارئ النقيض وصاحبها له ما يؤهله للدخول إلى مملكة الرواية والسرد الممتع بجدارة لتمكنه من اللغة الجمالية، وبناء مختلف الأشكال الأدبية المغربية بجدية هامة أن يعتبرها النقد الجزائري مثل نقطة ضوء في ظلمة حالكة مقارنة مع أدب الحداثة أدب التسعينات.

مراجع البحث:

هذه مقاطع أجري مع هذا القاص "الزين نور الدين" بجريدة الرأي بشهر أوت 1999 عدد 401 حول تجربته في مجال الكتابة.

تجربتي مع القصة تجربة مبدع يحاول أن يؤسس للقراءة سلطة زمنية بعيدة المدى، لا الشكل أتاني لأتحاور معه ولا المضمون ضيفي لذلك انطلقت في كتاباتي من هاجس السؤال والحاجة.

الغموض كلفظة معجمية أشار إليها الكثير في قصصي فعلى القارئ أن يوظفها في إطارها السياقي الجمالي أي داخل تطورها الغموض فلسفة تستمد طاقتها من السريالي والرومانسي والوجودي والرمزي أي الغموض في قصصي غموض فني أمام الإيهام فلا.
وقال في ما يخص اللغة: أن قصصه بها اللغة كتجربة أولى لدلائلي النص أي اللغة كصياغة قولبية للنص بمعنى الشكل والمضمون لنسافر في اللغة والنص كانزياح معرفي أكثر حتى من القراءة ذاتها.." انتهت شهادات القاص تجربة.

هذه القصص المطلع عليها هي كتب مطبوعة وبعضها منشور بالصحف في حد ذاتها تتفاوت في ما بينها نسبيا ولكنها لا تملك أي بعدا زمنيا مستقبليا.

المجامع القصصية التي اطلعنا عليها ولاعتبار هذه كتميز عليهم "جنون في منتصف الذاكرة" لمؤلفها "الزين نور الدين" مطبعة الجاحظية الجزائر، مجانا ما أشار إليه "الطاهر وطار" في حوار صحفي بجريدة الشروق العربي 1999 تشجيعا للقاص بخصوص الطبع المجاني.
"الظل والغياب" مجموعة قصصية للمؤلف "بشير مفتي" 1995 منشورات الجاحظية الجزائر.
"طائر المدينة" مجموعة قصصي للمؤلف "ديداني برزقي" 1997 منشورات الجاحظية الجزائر.
"أحلام أزمة الدم" مجموعة قصصية للمؤلف "جمال فوغالي" 1997 منشورات الجاحظية الجزائر، وله أيضا مجوعة قصصية بعنوان "أحباره" من منشورات إتحاد الكتاب الجزائريين.
"في ضيافة إبليس" مجموعة قصصية طبع قصر الثقافة والفنون وهران 1994 للمؤلف "عبد الوهاب منصور" الجزائر.

"رذاذ النرجس" مجموعة قصصية للمؤلف "علال سنقوقة" 1994 منشورات الجاحظية الجزائر.
"شموخ" مجموعة قصصية للمؤلف "بشير خلف" 1999 منشورات الجاحظية الجزائر.
"ما حدث لي غدا" مجموعة قصصية "السعيد بوطاجين"1998 منشورات الجاحظية.
"كلمات تحت الشمس" مجموعة قصصية للمؤلف "زهرة الريف" 1999 منشورات الجاحظية.

بن خضرة كمال

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى