الأحد ٢٧ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم ياسمين محمد عزيز مغيب

امْرَأةُ لِيومٍ وَاحدٍ فَقَط ْ

أدمنتُ العمل وأولعتُ بالدراسة، أصحابي هم حاسوبي، وكتابي، وقلمي، لا أتذكرُ أخر مرة خلدتْ نفسي للتنزه، ربما منذ سنوات.

أخذتُ أفتشُ في كتاب عمري، وأقلبُ صفحاته أريدُ فهْم مغزى حياتي، لماذا أنا لا أشبه النساء؟؟

أهوى الأناقة لكني لا أضيع وقتي في " المولات" ، وفجاج شعابها.

أحبُ الذهب والمجوهرات لكني لا أسعى لاقتنائها كما يفعل النساء إلا بعد الضرورات، أعشق مناجاة الطبيعة، لكني دائمة الجلوس بين جدران صماء قاتلة، لم ولن تنطق مهما طال الجلوس بين يديها.

قررتُ أن أقومَ بتجربةٍ أن أعيش كمرأة ليوم واحد فقط، اتصلت بصديقتي التي طالما ألحتْ علي بالخروج مع مجموعة من صديقاتها.

ستكون تجربة مثيرة علّها تردني إلى ذلك العالم الذي هربت منه منذ سنين.

دخلتُ في مغاراتهن، ومشيتُ على أرصفتهن، قلدتُهن بخطواتهن المترنحة المتثاقلة، التي ما إن تقدمتْ قدماً للأمام حتى عادتْ للخلف عدة أمتار.

كان بداخلي حنين لهذا العالم المتقلب الذي لا يعي أن عقرب الساعة بعد ركضه ستين دقيقة، سيفقدهن ساعة من أعمارهن.

مللتُ جبال الكتب التي اقتحمت حياتي، وأصابتها بالركود، خشيت على نفسي من جنون العلم، الذي قد يصيب العلماء.

ظللتُ في ساحة الانتظار أنتظر مجيئهن، مضى الوقت وأنا بثيابي أنظرُ للساعة تارة، وأخرى أحدقُ بالشرفة، وبعد طول انتظار جاء صوت الجرس ليعلنَ قدومهن.ارتديتُ ثيابي المنمقة المتناهية الرقة، السعادة كانت تغمرني، خرجت من بوتقتي التي ظللت فيها حبيسة سنين طوال.

دخلنا " المول" ورميتُ ببصري عبر تلك المحيطات المتناثرة هنا وهناك، من البشر والمحلات، رأيتُ نساء ربما ليسوا من عالمي، أو ربما عالم النساء قد تطور كثيرا أثناء عزلتي التي كنت سجينتها.

لم أر إلا أكعاب النساء التي أخذتُ في الصعود معها حتى وصلت إلى أماكن لم أدر عنها أنها بجسدي، ولكن من المستحيل ألا أمتلكها، لأني من نفس الجنس، ولأن التركيب الجيني للنساء واحد، إنما الاختلاف في الحجم فقط.

كانت صديقاتي تمعن النظر بالبضائع، وأنا أحدق بالبشر، لفت نظري فتاة غريبة الأطوار مرت من أمامي، تمشي على عجلٍ، غير مبالية بأي شيء، سقطت منها ورقة، وعندما ناديت عليها: " يا آنسة في حاجة وقعت منك"

ردت قائلة: أنا رجل يا.....!!

يا لفاجعتي!!

أعجزتُ أن أميز بين الرجل والمرأة؟؟

لكن كيف رجل؟؟ لقد كان شعره يتجاوز رقبته.

بل كان يرتدي ما يسمونه "بالإسكيني"، و"بضي" يجسم كل تقاسيم جسده.

فبرغم عزلتي عن عالم النساء، إلا أنني أعرف كل ما هو جديد، فقط من باب محو أميتي الموضوية.

انقلبت كل الموازين عندي بسبب تلك الفتاة، عذرا بسبب ذلك الرجل علّه يقرأ القصة ويقاضيني.

استمريتُ بالحملقة بكل المارة، فعيناي لم تغض الطرف، خوفا من أن يفوتني مشهد لم أره من قبل.

أخيرا وصلنا لمحلات الملابس، كان في مدخل المحل، فتيات حسناوات، يرتدين " الميكروجيب" ، كما يسمونه، ومعلنات عن نهود تكاد تصل للسماء علوا، وشعرا يتمايل مع الريح أينما اتجهت، وابتسامة تجعل إبليس يترك الإغواء، لأن ابتسامتهن قمة الغواية.

أخذتُ أتساءل هل أنا ببلد أجنبي أم بدولة عربية؟؟

لفتُ رأسي يسارا، وإذا بالجانب الأخر صفاً من الشباب يرتدون البذل، ورابطة العنق التي تكاد تغلق عليهم كل منافذ الهواء، والشعر المنسدل على أكتافهم، وغمازات تزينُ وجههم.

ظننتُ أن مهند قد قاموا بعمل نسخة مكررة منه وصفّوها بهذا المحل لجلب الزبائن من المراهقات، خصوصا بعد ما قيل عن حالات الطلاق التي شاعت بالشارع العربي، عقب انتشار مسلسلاته.

جذبتني صديقتي من يدي، ماذا تفعلين هنا؟؟

قلتُ لها اتركيني أرى الجمال الصارخ الذي يجعل الراهب يسقط ببراثن فتنته.

وصلنا لقسم الملابس النسائية، وانتقيت بعض الملابس التي لم أعرف كيف تُرتدى، والتي كانت تحتاج " لكتالوج" يوضح كيفية الارتداء، دخلتُ غرفة القياس، لأفكَ طلاسم هذه القطع ليشهد العالم بذكائي.

بالفعل بعد محاولات تمكنتُ من ارتدائها، ووجدت نفسي أرى بالمرآة امرأة لم أعرفها، ولم أفطنْ لوجودها من قبل، فقد كانت تشبه إلى حد كبير تلك الفاتنات اللاتي قابلتهن عند ردهة المحل.
وأكملتُ المنظومة بإسدال شعري علّه يسابق الريح ويصرعها.

طفقتُ أضحك إنني مثلهن الآن، إن تقليدهن بالشيء اليسير، فقط وضعتُ ثياب مقطعة على جسدي، فأصبحتُ مثلهن.

لكن تساءلت هل بإمكان إحداهن أن تقلدني، فتغطي كامل جسدها في يوم حار من أيام الصيف، وجاءت الإجابة: لا.

ذلك لأكثر من سبب: أول سبب: لأن أمثال هؤلاء اعتدن على التكسب بأجسادهن، والثاني: لأن من شبَ على شيء شابَ عليه.

أخذتُ ما هفت إليه نفسي من ثياب، حتى أرتديه بغرفتي، لكي لا أحرمها من الولوج بهذا العالم الأنثوي.

طفقت صديقاتي في قياس الملابس وبدأن يرمين بقعطة بعد الأخرى، مرة يقولنَ أنها غير مناسبة، ومرة أخرى أنها صغيرة القياس، وأنا أنتظر وأنتظر حتى مللتُ الانتظار.

الحمد لله انتهينا من حرب القياسات، واتجهنا إلى قسم العطور، ويا ويلي من المجهول!!
دخلت معهن في معركة حامية الوطيس، أخذن يتسابقن، في التعطر بكل أنواع العطور، ولم يفلت من براثنهن إلا من رحم ربك.

ذهبتُ بهدوء، وتفحصت بدقة أسماء العطور باحثة عن عطري المفضل، وما إن وصل ليدي حتى أعلنت ثورتي على الوقت الذي ضاع داخل مغارة لا نهاية لها.

وعلى مضض صبّرت نفسي حتى لا يغضبن صديقاتي مني، ويعلن علي ثورة تطيحُ بعرش صداقتي، كما أطاحت الثورات العربية، بأقوى الرؤساء، وأكثرهم صلابة.

انتهت الصديقات من قسم العطور، واتجهن مباشرة إلى قسم المكياج، والغريب أنني وجدت الشباب هم من يقومون بالترويج لهذا القسم.

في بداية الأمر أصابتني الدهشة، لكن بعد وقت، وجد أنهم يمتلكون من البراعة ما جعلني أشكُ في كونهم قد استعملوا كل هذه المستحضرات الخاصة بالنساء.

تركتُ صديقاتي واتجهت بزاوية، بها أنواع من "ال أي شادو" أو ما يسمونه بظل العيون، وأنا أسميه بساحر العيون، كم أحب أن أرى العيون المكتحلة، ويقف ظل العيون حاميا لجفونها، لا يسمح بمرور أي كائن كان سوى نظرات الحبيب فقط.

وفجأة ظهر أمامي شاب يعرض علي المساعدة في الاختيار.

فسألته: أي اختيار؟؟

أجاب: ظل العيون"

ضحكتُ وحدثتُ نفسي: ليته يساعدني في اختيار أشياء أخرى.

بدأ الشاب يعرض عليّ أنواع وماركات عالمية، وأنا أبحرُ مع حركة يديه عندما كانت تسافر إلى جبهته لترفع عنها هجمات الشعر المتناثرعليها.

اقترب الشاب وأخذ يسألني: أي نوع تفضليه من هذه الأنواع سيدتي؟

لكني لم أعِ كل ما عرض من أنواع، فأجبته: الألماني جيد.

فضحكَ، وقال: لكن كل ما عرضته لكِ كانت منتجات فرنسية.

فابتسمتُ خجلا، فرد قائلا: أنا أفضل لعيونك هذا النوع، لأنه حتما سيصيبُ من يراها بالجنون.
قلتُ له: لا داعي يا أخي لكي أجني على الشباب بعيوني، يكفيهم ما هم فيه من جنون الأسعار، والكاسيات العاريات، هناك من يقوم بهذه المهمة بدلا مني.
لكن اسمح لي أن أسألك سؤال، قد يكون غير لائق.

أجاب بكل سرور اسألي.

ألا تجد حرجا في كونك تروج لمنتجات تجميل نسائية!!

ضحكَ ضحكة مدوية خِلتني حاكيته طرفة، قائلا: أجمل شيء بالدنيا أن أتعامل مع الجنس الناعم.

وأحيطكِ علما أن النساء يفضلن ذلك، ألستِ أنتِ من النساء؟

اسألي نفسك أيهما تفضلين أن يروج لكِ منتجاتك شاب مثلي، أم امرأة مثلكِ؟

قلت له: والله يا أخي أنا أفضل أن أغادر هذا المكان فورا.

فضحك وقال: لمَ الهروب سيدتي؟

قلتُ له: الهروب أفضل وسيلة للدفاع.

تركتُ صديقاتي، وهرولتُ إلى سيارتي، داعيةُ الله أن يحفظ كل شباب وبنات المسلمين، دخلتُ غرفتي، أحكمتُ إغلاق بابها، وألقيتُ بثيابي المتصببة عرقا، احتضنتُ كتبي، قائلة لها: عذرا لتمردي عليك، فأنتِ من أصابني بالفتور.

لكني أيقنتُ الآن أن عالمك بكل ما فيه من ملل، أرحم بكثير من عالم النساء والرجال بكل ما فيه من فتنة وإثارة.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى