الاثنين ٢٨ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم بشير خلف

الجمال وحده يمنح الحياة بهْجتها!!

 (( الجمـال هـو التكوين الذي يجعل الدنيا..

والحياة موضعا للإعْجاب والحبّ.))
 نجيب محفــوظ

 يقول المرحوم الكاتب الأديب حسن الزيّات(1885ـ 1968) الملقّب بصاحب الرسالة الثقافية:

(( الحياة جميلة، وليس جمالها مقصورا على قوم دون قوم، ولا على طبقة دون طبقة..إنما الجمال هو وضاءة الفنّ الإلهي، أشاعه الله في الأرض والسماء، وهيّأ المدارك للاستغراق فيه، والاستمتاع به.))

 إن الإنسان العادي السويَّ مثلما يشاهد الجمال في عالم الطبيعة يشاهده ويتذوّقه في الأشياء الجميلة التي يقتنيها، ويلحظه في الإبداع الفني.

 وكما نشاهد الجمال ونتذوقه في الإبداع الذي يصنعه غيرنا ونصنعه نحن أيضا، فإن موضوعات الجمال التي كرّم الله بها عباده في الطبيعة أفسحُ وأجمل وأكثر جاذبية ؛ حيث يغمرنا الجمال في عالم الأزهار والطيور وسفوح الجبال، وجداول الأنهار، وشلالات المياه المنحدرة، وكثبان الرمال الذهبية، ومغيب الشمس، وفي شكل الإنسان الذي قال الخالق عزّ وعلا في شأن تكريمه: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء:70) 

وقال أيضا: ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين:4).. كما نسعد بالجمال ونحن نتذوقه في سماء الليل الصافية، وفي النجوم المتلألئة ليلا، والقمر وهو يغمر الكون بضيائه..نتذوّق الجمال في الغيمة، في قوس قزح، في الضباب وهو يدثر ما حولنا بغلالة شفافة منعشة، نتذوقه في نزول الغيث وتجمُّع قطراته وهي تنساب والأرض تتشرّبها في نشوة..الجمال نتذوّقه في عيون الضباء، وفي عيون المها وابتسامات الأطفال، في ألوان الأسماك وشاطئ البحر ورماله الذهبية، وأمواجه..في حقول الزرع المترامية، في السنابل الناضجة وهي متمايلة بما حملت من ثمار الخير..في الخضار بألوانها المختلفة..في الأشجار المثمرة وتدلّي الثمار بألوانها وأشكالها يانعة شهية في عراجين النخلة وهي مدلاّة، مثقلة بحبات التمر في لونها الذهبي الرائق الشفاف..وفي الأزهار بألوانها وأريجها.. وفي ملكها الورد بدون منازع..[1]

 عموما، فالجمال قد يكون متعلقا بالإنسان، أو الحيوان، أو النبات، أو الصخور، أو الجبال، أو البحار، أو السماء، أو حتى السحب وتشكيلاتها، تهاطل الأمطار، تساقط الثلوج، أو التعبير الإنساني خاصة في الفنون المختلفة، وقد يكون مرتبطا بالجانب المادي، أو الحسّي، وقد يكون متعلقا بالجانب العقلي أو المعرفي، أو التأمّلي قد يتمثّل في حالات صامتة، أو حالات متحرّكة، أو في مزيجٍ من الصمت والحركة، وقد يكون في وجْهٍ جميل، أو جسد جميل، أو مسرحية جميلة، أو مقطوعة موسيقية جميلة، أو فيلم جميل، أو لوحة فنية جميلة، أو حديقة طبيعية جميلة لم تطلها أيدي البشر، أو حديقة أخرى تولاّها الإنسان بالرعاية والاهتمام.

 اختلافات هائلة بين تكوينات، وحالات الجمال وتنويعاته، فوصفنا العام لها بالجميلة إلاّ لكونها تثيرنا وتبعث المتعة والراحة في نفوسنا؛ حيث يوجد الجمال في جميع مظاهر الحياة.. في الطبيعة والمباني والبشر والفنون واللغة... كما يوجد في العلوم، فالفيزيائي ريتشارد فينمان يرى بأن:

« المرْء يمكن أن يستبين الحقيقة بفضل جمالها وبساطتها »

ويعلن فيزيائي آخر بقوله:

« إن الجمال في العلوم الدقيقة وفي الفنون على السواء هو أهمّ مصدر من مصادر الاستنارة والوضوح.»[2]

 كلٌّ تلك موضوعاتٌ تجسّد الجمالَ، بل الطبيعةُ بأسرها لوحةٌ فنيةٌ تفيض بالحسن والجمال. إنّ النفوس السوية تثير لديها الإعجاب، وتتفاعل معها روحيا، إذْ تتحوّل لديها شعرا، أنشودة، عبادة وإجلالا وتسبيحا وتعظيما لمبدع هذه الطبيعة وخالقها.

 يمكن أن يكون الإنسان هو المخلوق الوحيد الأكثر تحسّسا للشيء الجميل برغم المحن التي يمرّ بها، وخاصة لدى الإنسان المؤمن الذي بحكم إيمانه المتين بخالق الكون والمتصرّف فيه وفي عباده، أوْكل أمره إلى الله الرحمن الرحيم، حينها تطمئن نفسه ويعود الهدوء والأمل إليه، فينعم بما كرّمه به، ويُحسن امتلاكه والتصرّف فيه، وتذوّقه بما في ذلك الجمال.. الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يتجاوز واقعه، ويسمو بنفسه إلى مراتبَ أعلى وصولا إلى سلوك الخير والفضيلة والحب في أسمى مراتبه.

هوامش

[1]ـ أ.بشير خلف.الجمال رؤية أخرى للحياة.ط1 ص:12 عن وزارة الثقافة.2009 ط: دار الهدى.عين مليلة.

[2]ـ د.شاكر عبد الحميد. التفضيل الجمالي. سلسلة عالم المعرفة.267 دولة الكويت.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى