الثلاثاء ٢٩ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم محمد أبو عبيد

إيمان العبيدي.. ثورة المغتَصَبات

صار العرب في حاجة إلى "طوطم" بشري حتى ينتفضوا على أصناف الظلم والاضطهاد، وكأن لا شيء يوقظهم أو يُذكّرهم سوى أن يجاهر المظلوم، أي الضحية، بما لحق به. فالبوعزيزي أحرق نفسه فأشعل ثورة تونس، والشاب المصري الفقيد خالد سعيد الذي فتكت به أجهزة الأمن، ذكّر بني الإنس أن أجهزة الأمن العربية تهلك النسل والحرث، ومحمد الدرة، أثبت للعالم أنّ الرصاص الإسرائيلي يقتل الطفل كما الشيخ، والمرأة الحامل كما الشاب، والفتاة السودانية المجلودة أكدت للجميع أبشع صنوف التعامل مع المرأة العربية حين جلدها ضاحكون مستهترون بالإنسانية بدلاً من أنْ تسْوَدّ وجوهم ويخفوها من خزيهم. جل هذه السلوكيات مفعولة منذ أزمنة، قد يكون غفل عنها الغافلون، أو تناساها المتناسون، لكن جراءة الضحية، كما غباء الجاني، تحركان الشعوب الخاملة مثل الحجر النازل على مياه راكدة.

آخر "الطواطم" المحامية الليبية إيمان العبيدي التي جاهرت بأنها مُغتصَبة، وتحدثت، بجراءة غير معهودة لدى الفتيات العربيات في مثل هذه التراجيديا، أن عدداً من أفراد كتائب القذافي تناوبوا على هتك عرضها. العبيدي آثرت أن لا تُبقي ما حصل معها سراً تدفنه في "الزنقة" التي وقعت فيها الحادثة، فحملتها رِجلاها الشاهدتان على الجريمة إلى بهو فندق حتى تصرخ للعالم، عربياً كان أو أعجمياً، وتفشي سرها أمام العدسات عالِمة أن جزاءها قد لا يقل سوءاً عن واقعة الاغتصاب نتيجة لما أفصحت عنه.

لعل الكثير استقبل رسالة العبيدي، وفهم أن مضمونها اغتصاب المسلحين لفتاة عزلاء مجردة من السلاح وجردوها من الوشاح. لكن رسالة أخرى لا تنقص قوة عن الرسالة الأصلية، بعثت بها إيمان، وهي نداء إلى كل مغتصَبة عربية لتبوح بما تعرضت له أمام الملأ حتى ينفضح أمر الجاني وينال القصاص أياً كان.

لذلك، من النافع أن تصبح العبيدي مفجرة ثورة المغتَصَبات، وتكون بداية تغيير على هذا الصعيد، فالأنثى العربية ما انفكت تقوقع نفسها في سر الاغتصاب خشية ثقافة المجتمعات العربية التي تُلقي، للأسف، باللائمة على الضحية فيما حدث بينما المغتصِب الفاعل حر طليق إلا الذين افتضح سوء فعلتهم.

كثيرٌ من ضحايا الاغتصاب العربيات ساعدن على جعل الجناة طلقاء لكتمهن الأمر، لكنْ آن الأوان لإنزال أشد العقاب بكل جانٍ، وهذا لن يتم إلا بصرخات الضحايا بملء أفواههن سواء أمام قاض عادل ولو من وراء حُجُب، أو أمام عدسة كاميرا إن كانت أكثر جراءة، فلا شيء يدين الضحية ولا أمر يعيبها، وإن كانت ثقافة الكثير من العرب أجبرتها على التستر على ما يقض مضجعها كل حين، فعليها أن تتذكر أن العدل الإلهي والشرائع السماوية أهم من كل الثقافات ومن جل النظرات، وأن السماء رحيمة بالضحية مهما قست الأرض عليها.

إيمان العبيدي الجريئة تفتح الباب على مصراعيه لكل ضحية اغتصاب حتى تثور ليبدأ التغيير على هذا المنحنى أيضاً، فمجرمو الاغتصاب ليسوا من بعض أفراد كتائب القذافي فقط، لكنهم في كل أصقاع العرب، وفي كل صقع ضحايا، فلتكن إيمان رمزاً للمهتوكة أعراضهن وشرارة لثورة المغتصَبات.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى