الأحد ٣ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم أمينة زوجي

النار تأكلني

النار تأكلني كل يوم،

وبين دهاليز البلدية أقضي أيامي ذهابا وإيابا، أتأبط أوراقي وأتردد بين المكاتب أحمل آمال عمري الفان، تبتلعني متاهات تخصصات مبهمة، تتقادفني الابواب ككرة لهب، وينتهي بي المطاف بين يدي موظف متأنق لا يعي معاناتي، يجلس على كرسيه المريح كأسد متغطرس، ينهرني قبل أن تنبس شفتاي بكلمة، يتفحصني بإحتقار، يحاصرني بعينيه المغرورتين بإشمئزاز، تخترقان ثوبي الرث فلا تجدان سوى بقايا جسد هزيل أنهكته نوائب الدهر رغم صباه، وحين ينتبه إلى حذائي الرقيع، وحقيبة يدي البالية تعتلي وجهه الممتلئ أعراض الغثيان.
أنكمش أمام هجمات عينية، أتضاءل أمامه كأنه الاله، فتهون أيامي رخيصة، لكن شيء ما بداخلي ينتفض، عرق حار يتصبب من جبيني، وحمرة كالدماء تجتاحني من عمق قهري، فلا أجد لي من ملاذ غير إستحضار عيون أطفالي البريئة مستغيثة... أحاول تجاهل الامر والتركيز على هدفي، أستجمع كلماتي المبعثرة فأنا صاحبة حق لا متطفلة، فأنا مواطنة ولي حقوق، أستفسر عن مطلبي بجرأة ، فيحاصرني صوت موظف آخر بنبرته الحادة يأتيني من عمق سحيق كرصاصة، يأمرني بالعودة في وقت لاحق.

"لم تتم دراسة ملفك بعد"

أعود غدا، أحمل أمالي وأحلام أطفالي بجدران أربع، وباب من حديد يحمينا من تقلب الفصول و تجهم أقرباء صارت أجسادنا المكدسة حملا ثقيلا عليهم .

أعود بعد أسبوع،

بعد أشهر،

ويبدو أن الايام صارت سنوات تجري، تعدوا بدون أي تغيير، فالموظف المتأنق مازال يجلس على كرسيه المريح بوجهه المتورد الممتلئ، والاخر مازال يأمرني بالعودة في وقت لاحق بلهجته الجافة، وأنا مازلت بجسدي الهزيل أتردد بين المكاتب أتأبط أوراقي، أنتعل حذائي الرقيع، ولا أهتم بمنظر حقيبة يدي البالية، لا يهمني إن صارت ألوان ثوبي مجهولة.

هذه المرة أعود وقد استنفدت رصيد صبري، سئمت نظرات الاحتقار والازدراء، وماعدت أطيق عبارات التأجيل، أعود وأحلامي تلاحقني، فأجدها قد تبخرت من دون علمي، يخاطبني المتأنق محاولا إخفاء إبتسامته الساخرة "آسف لقد تم استبعاد ملفك لانه لا يستوفي جميع الشروط"

"مستحيل، أية شروط يمكن أن لا يستوفيها الملف وقد حرصت على إعداده بعناية".

"ينقصك زوج، المستفيدين بالنسبة لنا هم عبارة عن أسر مكتملة، وأنت مجرد أم عزباء".
الدنيا تدور من حولي بدون هدى، أشعر بتعرق شديد، وبرودة في ساقاي، يتوقف ذهني عن التفكير للحظات من هول الخبر، تكاد أنفاسي تختنق داخل صدري، أحاول أن أعترض، أن أصرخ بكل ما في من غضب فتخرج كلماتي مرتجفة، تتجمع دموعي في محاجرها، تنهمر مدرارا على جفوني فتحرق من فرط أجاجها مقلتي، وبين ضلوعي تستعر نار تتلضى، يتوهج قلبي كشمس تنتحر، فأجدني أشتعل كجمر محموم، النار تحاصرني كنظرات المتأنق، تخترق ثوبي الرث لتنفذ إلى بقايا جسدي الهزيل، تلتهم أحشائي بنهم شديد، أستنجد بحقوقي التي خلتها ستنصفني فلا تجيب، أستجد بقطرة غيث من السماء فلا تستجيب، أحتضر وعيون أطفالي ترقبني، سأموت وغدا أصير رماد تشيعه أنباء في الجرائد والصحف.

إلى روح كل من احترق بنار الظلم


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى