الأربعاء ٦ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم فلاح جاسم

مُتطرفون

أهدتني حبيبتي مسدسا كلاسيكيا، من ذوات الطلقات الثماني، فطلبتُ منها بدوري، ماذا تفضل آن أهديها، حيث إننا تجاوزنا مرحلة التجمل بأصول وقواعد الإتيكيت، بما أنها درسته في دولة أوربية.

قالت لي: أفضل أن تهديني سيفا دمشقيا، فتعجبت من كلامها، وقلت لها: تريدين سيفا حقيقيا.

قالت: نعم.

لا أخفيك تساءلتُ في نفسي؛ ماذا تصنع بالسيف؟ آنسة بمنتهى الرقة، والعذوبة، وغاية في الجمال، وخصوصا جمال الأنف، الذي كان غاية ما يسعدها هيامي به، وتغزلي به في كل مناسبة، والأسنان، التي أضفت على محياها طلـّة نورانية حين تبتسم، وكان هذا ديدنها.. أرّقني ذلك الشعور، فتناولتُ السمّاعة وهاتفتها قائلا: أثار فضولي حب اقتنائك للسيف، سيدتي هلا ّ قلتِ لي السبب؟

قالت: باختصار شديد، وبصراحة.. حتى أقتلك وأشرب من دمك لو عرفت أنك تكلم امرأة غيري.
قلتُ: تشربين من دمي! وهل دمي حلو لدرجة أنك تستطيعين شربه؟

قالت بصوت حاز كل أنوثة وجاذبية نساء الدنيا: نعم حلو جدا، (دمك شربات)، كدماء المصريين، والليبيين، والتونسيين، وأولئك الذين قضوا نحبهم، والذين لم يلحقوا بهم، وما بدلوا تبديلا. تفكرت، وقلت في نفسي: هل من المعقول أن تعملها؟

تذكرتُ جدتي عندما عدتُ من غربتي، وشرعتْ تسألني عن أحوال الغربة، وكيف قضيتُ أيامي هناك؟ فقلت لها كمعظم الذين يعودون من أسفارهم: يا جدتي كل شيء في الغربة ليس له طعم، ليس هناك أحلى من الوطن. ردت جدتي: صدقتَ يا ولدي، حتى اللحم هناك ليس له طعم، طعم لحمنا لذيذ، أليس كذلك يا ولدي؟ قلت لها: نعم يا جدتي، وهل هناك ألذ من لحمنا! وإلا لما تكالب علينا العالم لنهش لحمنا!

نسيتُ جدتي وتذكرتك.. هل سيصبح لقاؤنا جرحا ينزف فراقا، ورحيلا؟ أتساقط على شفتيك شيئا فشيئا كثلج على نار تتراقص في بيت الشعر، فأتحول إلى قافية مجهولة، أو إلى أحمر شفاه مضاد للماء والهواء.. ضميني يا حبّي، يا وطني فقد تعبتُ من الترحال، أو تعب الترحال مني.. أنتِ وطني الذي لا يخذلني أبدا، سأتلاشى كنسمة فوق رموشك، لكنك باقية أبدية كبسمة على شفاهي، التي نبتت عليها بصمات شفاهك كالعشب. سيدتي، بي شهوة إلى عضّ شفاهك أكثر من شهوتك إلى الكنافة، عندما سألتك (لطيفة) عما تفضلين من حلويات. ألا تعلمين يا سيدتي إنها جريمة أن تفكري بأكل الكنافة في لوس انجلوس، تهمة جديرة بأن تصنفك من الذين يهددون أمن العالم، وربما تتهمين بمعاداتك للسامية، والتحريض ضد الآخرين، وتتهمين بالعنصرية، لماذا لم تكتفِ بأكل (التشيزكيك)؟ هل من الضروري أن تكوني عربية في جميع تفاصيلك؟

نهداك عجينتان للشهوة، وفمي تنور متقد، قابل للالتصاق بهما للأبد، دون حاجة للتنفس، فقط دعيني أغمض عينيّ.. أنا ظاميء يا سيدتي لا يرويني كل ماء الفرات.. دعيني أركض إليك فأتساقط شيئا فشيئا وأنا في طريقي إليك، فأصلك ولم يبقَ مني جسد.. لميني، وضميني إلى صدرك ثانية، سأجعلك تموتين مضرجة بالقـُبَل في كل أنحاء جسدك.. دعينا ننسى كل قواعد العالم وقوانينه، ونكتب لغة عصرية بعيدة عن التناص، والتورية، والجناس، والطباق؛ لغة الموت من العناق. عشنا في فردوسنا يا حبيبتي عمرا كاملا، لكننا لم نشعر به، مرّ سريعا كأنه ثوان.. فجأة حان آذان الفراق بالرحيل حسب توقيت سجون القلوب وضواحيها، يرفعه كل من لم يذق طعم العشق، ولم يحرق البين قلبه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى