الأربعاء ٦ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم محمد أبو عبيد

عمائم .. في الجوّ الغائم

الثورات التي يشهدها بعض الدول العربية هي ثلاثية الأبعاد ،أولاها إطاحة أنظمة، ثانيها تخطي الشعوب عقدة الخوف من انتقاد الزعيم كما لو كان مقدساً مسُهُ حرامٌ، والبعد الثالث خلع الأقنعة التي تخفّى بها البعض لتظهر وجوههم الحقيقية.

البعد الثالث هو بيت القصيد في هذا المقال .وفي البدء توضيح للعنوان، فليس المقصود بالعمائم إشارة إلى ملة واحدة أو مذهب واحد من دون الغير، إنما رجالُ دينٍ من كل الملل والنِحل الإسلامية بلا استثناء.

إذا كان يجيز لنا المنطق أنْ نشبّه ما يحدث في أصقاعنا بالمحيطات المائجة والهائجة، فإن من لا يجيد السباحة ولم يتسلح بسترة النجاة سيغرق حتماً ، وقد لا يجد من ينقذه. وهذا ما حصل بالضبط مع أطياف بشرية أوقعت نفسها في شرك كان بالإمكان تجنبه لو تمتعت بالحنكة، أو على الأقل التزمت الصمت حين انعدام الحنكة.

ليس الفنانون وحدهم من سقطت أوراق بعضهم حين اتخذوا مواقف أشد من مواقف أجهزة الأمن والمخابرات تجاه غضب الشباب، فخسروا إعجاب بشر كانوا ينظرون إليهم على أنهم أيقونات فوق العادة، علماً أن جعل أي فنان في تلك الصفة خاطىء من البداية، ناهيكم عن فنانين آخرين وصلوا حد السذاجة حين عبّروا عن امتعاضهم من ثورة حجبت عنهم وعن أطفالهم البيتزا والكباب.

ولأن العصمة لا تكون إلا لنبي، فإن بشراً أخرين لا يجوز البتة أن ننظر إليهم كما لو كانوا مقدَسين منزهين عن الخطأ حتى وإن كنّ المرء احتراماً لقلة منهم أو لثلة. إنهم بعض رجال الدين الذين إما دينياً أصدروا فتاوى في "ربيع العرب"، أو سياسياً، باعتبارهم "مرجعيات" دينية وسياسية، زمجروا بتصريحات تؤيد ثورة شعب، بينما لم ينبسوا ببنت شفة في حق ثورة شعب آخر .كأنه يجوز لشعب أن يطلب الخلاص من ديكتاتور متسلط عليهم، بينما لا يحق لشعب آخر، يشاطر الأول المعاناة نفسها، أن ينتفض على طاغوت متجبر عليهم . إنهم، إذن، ليسوا نشازاً عن أنظمة الحكم ، مع تحفظي ،أصلاً، على استخدام مفردة "نظام" في وصف الحاكم وزبانيته لأنه لا يُعقل أن يكون الفساد والديكتاتورية نظاماً .

إن العقد الثاني من الألفية الثالثة هو عقد ذوبان الثلج عن المرج ، وبدأت أولى دلائل، وحتى بشائر، المرج تتجلى حين تكشفت الوجوه على حقيقتها، وأخرجت بطون "القداسات" أثقالها، فثبت، لمن لم يثبت له بعد، أن أي وشاح ديني لا يشكل حصانة لمعتمره ضد انتقاد موجهٍ له من امرىء فضل استخدام العقل على الغرق في بحر العواطف التي كثيراً ما جعلت البعض مجرد تابعين يحسنون إنْ أحسن رمزهم ، أو "مرجعيتهم"، ويسيئون إنْ أساء .

المشهد في العالم العربي مثل جو غائم لم تتضح تفاصيل سمائه، حتى لو أن البعض أغرق في التنبؤات والتحليلات، فجهينة لم يأتنا بعدُ حتى يعطينا الخبر اليقين حول مستقبل العرب.

لكن اليقين الحالي هو أن الغيوم انقشعت عن بعض "العمائم" فلم يعد يختلف تصريح لعادل إمام عن موقف "لإمام عادل".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى