السبت ١٦ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم جميل السلحوت

الروائية منصورة عز الدين في القدس

ناقشت ندوة اليوم السابع الدورية الأسبوعية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس هذا المساء رواية (وراء الفردوس للأديبة المصرية منصورة عز الدين.

بدأ النقاش رفيقة عثمان فقالت:

الشخصيَّات المعتوهة، والمجنونة، والمضطربة نفسيًّا في القصص

اخترت أن أسلِّط الضوء على شخصيَّة المعتوهة، أو الهبلة في رواية وراء الفردوس.
برع الأدباء والكتاب، والشعراء الغربيون، ومن ثمَّ العرب، في اختيار شخصيَّة بهلوانيَّة، أو شخصيَّة تتَّصف بالجنون، أو الأمراض النفسيَّة، وهنالك أمثلة عديدة لروايات، وقصص، وشعر، لعدد كبير من الكتَّاب، والروائيين، والشعراء المُبدِعين.

أمثال: دوستيويفسكي في رواية الأبله، التي تناول فيها شخصيَّة الأبله – الأمير مشكين- حيث أراد من خلالها أن يدخل إلى أعماق المجتمع الروسي بكل تفاصيله، وخفاياه، وكذلك رواية الجريمة، والعقاب، والكاتب موباسان في قصَّة "الهورلا"، حيث عبَّر الكاتب عن حالة الريبة، والهذيان التي يعيشها المريض العقلي، وفي قصَّة قصيرة أخرى "الشعَر" سارد القصَّة، المجنون والطبيب نجح الكاتب موبسان بالتعبير عن حالات الجنون بشفافية بلا تدخُّل في التحليل النفسي.

نجد في الأدب العربي، قصصًا، وروايات متعدِّدة، مثل: رواية "عرس الزين"، للكاتب الطيِّب الصالح، وكذلك للأديب نجيب محفوظ، في "حديث المساء والصباح"، حيث عبَّر فيها عن الانفعالات والمواقف اللا واعية، والاضطرابات النفسيَّة، من خلال شخصيَّة قاسم أحد أبطاله، وفي شخصيَّة الشحاذ، المجنون، وغيرهما من الأدباء المُبدعين.

استخدام الشخصيات غير السوية يعكس أحيانًا حياة الأدباء الخاصَّة، المضطربة، والاجتماعيَّة السيِّئة، جنس الأدب، واختيار شخوص القصَّة أو الروايَة، للتعبير الحر عن الحالة النفسيَّة للراوي، أو التعبير عن أوضاع المجتمع السّيِئة في حقبة زمنيَّة معيَّنة، فيعكس الكاتب هذه الأوضاع، بواسطة تحريك شخصيَّة الأبله، أو المضطرب نفسيًّا، كما تجلَّى لنا من خلال رواية "مارغوريت دورا"، التي بُليت بوفاة ابنها بعد ولادتها، مما أثَّر على نفسيَّتها، وكتبت رواية "السفهاء" وكان أدبها منتميًا للحياة التقليديَّة، عام 1943، وروايتها "حياة ماديَّة" (1987)، حيث تطرَّقت إلى حالة الإدمان على الكحول، أحبت هذه الكاتبة، شخصيَّاتها الفاشلة، والتعيسة، كما عبَّرت عن ذلك " لا أحب سوى الشخصيَّات الهشَّ، هم وحدهم أحياء في الحقيقة". (أبو زيد منيرة، أدب الأمراض النفسيَّة، والعقليَّة).ِ

اختارت الروائية منصورة، إحدى بطلات قصَّتها الفتاة المجنونة، وأسمتها بدر الهبلة، التي احتلت أكثر من ثلاث صفحات من الرواية، وأنهت سطور الرواية الأخيرة حولها ص70، "لم يبقَ منها غير ملابسها القديمة في دولاب أمها، وورقة منسوخة تحمل "فوتوكوبي" الاسم: بدر ابراهيم السيد. السن: 39 عاما، الحالة: متخلفة عقليًّا".

كانت بدر الهبلة شخصيَّة محوريَّة، عبَّرت الراوية من خلالها، عن القيود الاجتماعيَّة الصعبة التي أحاطتها في المجتمع الريفي التقليدي، الذي ينبذ كل ما هو غير مألوف عن التقاليد، والعادات الاجتماعيَّة المُتوارثَة، وخاصَّة المرأة الريفيَّة، التي تبحث عن ذاتها، وتسعى بحثًا عن الحريّة المفقودة، وكسر معايير التقاليد الاجتماعيَّة التي تفرضها السلطة الأبويَّة، الرجعيَّة، كما تجلَّى ذلك في الرواية. "كانت بدر الهبلة قد هربت من الرقابة اللصيقة لوالدها، ونزلت للاستحمام في النيل". صفحة 66، "أدركوا أن من أثارت خوفهم هي بدر الهبلة، وليست إحدى الجنيَّات التي يتخيلونهن دومًا" صفحة 67.

لقد حذت الراوية منصورة حذو الكاتبة الأمريكيَّة "سيلفيا بلاث" في رواية "الناقوس الزجاجي"، حيث اختارت بطلتها إستر التي وجدت رغبة في نفسها التمرُّد ضد الدور النسوي، والنظر لجسد المرأة بأنه مهان، فتواجدت استر نفسها محاطة دائما بناقوس زجاجي، يفصلها عمن حولها، ويسبب لها الضعف، والمعاناة، وصوَّرت الكاتبة الصراع الذي عايشته النساء في المجتمع الأمريكي في سنوات الخمسينات والستينات، وسعيهن لتحرير أنفسهن من قيود النطريَّات الذكوريَّة. (سراقبي رويدة: تحليل لروايات سلفيا بلاث "الناقوس الزجاجي").

كان صراع البطلة بدر الهبلة في رواية وراء الفردوس، مع أبيها الذي يُصوِّر السلطة الأبويَّة، والذكوريّة في المجتمع، الذي كان يربط ابنته بدر بالسلاسل الحديديّة، كي لا تفلت من محيطها، وأراد لها القيود الجسميَّة، والنفسيَّة، كما ورد صفحة 68، "كانت لا تطيق البقاء في البيت لأن والدها يحبسها في حجرتها، وقد ربط ساقها بجنزيرإلى السريرالضخم كي يمنعها من الخروج إلى الشارع خوفًا عليها ممن قد يستغلون جنونها".

بينما كان صراع إستر ضد أمها التي تُمثِّل المبادئ القديمة، وبروز التأثير الذكوري في الرواية. (المصدر السابق)، أرى بأن هنالك تشابها كبيرا بين الروايتين، وتأثُّر روائيتنا منصورة عز الدين بهذا النوع من الأدب، وتناول شخصيَّة البطلة البلهاء، لتعبر من خلالها عن الصراعات النفسيّة التي تواجه النساء في ظل مجتمع تقليدي في سنوات الثمانينات، والتسعينات.

رُبَّما أرادت الروائيةية أن تشير إلى نتيجة القيود القاسية التي عانت منها النساء الريفيَّات، وعدم التقبًّل لهذه الشخصيَّ، أدت إلى الهروب من الواقع الاجتماعي المرير، وضياع الهويَّة، تحرَّرت من العبودّيَة، بحثًا عن الذات والهويَّة الذاتيَّة، كما عبَّرت عنه الروائية في روايتها ص69، "بعد أقل من شهرين على إعلان الزواج، اختفت بدر الهبلة تمامًا... فكَّت الجنزير كالعادة، وهربت".

يبدو التأثر الشديد للراوية، وتضامنها مع شخصية بدر "الهبلة"، التي أبدعت الروائية في استخدامها بطريقة مُقنعة للقارئ، في تصوير صورة اجتماعيَّة واقعيَّة مؤلمة للريف المصري التقليدي، ونظرة المجتمع للمرأة، والقيود المفروضة عليها، كما تجلَّى ذلك في نهاية الرواية صفحة ص 222، الطبيبة تسأل سلمى:"بالمناسبة مين بدر الهبلة؟ اللي كنت بتتكلمي عنها قبل ما تفوقي، ليه ما حكتيلي عنها قبل كده؟ "لم ترد سلمى عليها، كانت فقط تنصت لصوت ارتطام جنزير قديم يكبل ساق بدر بدرجات سلم بيت العائلة وهي تصعده زاحفة".

هكذا أنهت الروائيَّة روايتها، على لسان الساردة سلمى، بأنها ظلت صامتة عندما سألتها الطبيبة عن بدر "الهبلة" التي كانت تهجس باسمها، يبدو أن سكوتها، وتذكرها للسلاسل الحديديَّة المربوطة في رجليها، وسماع أصداء صوت سلاسل الجنزير، ما زالت تقرع في رأسها، مما يدل على بقاء، وتأثير تجربة القيود الاجتماعيَّة، والنفسيَّة الشديدة، لها وقع شديد في نفس الراوية، لدرجة يصعب التعبير عنها، والبوح بها أمام الآخرين، وهروبًا من الواقع الصعب.

استخدمت الروائيَّة شخصيَّة سلمى الساردة، والمضطربة، في التعبير عما يختلج نفسها بواسطة الكتابة، ص 80-81، " كثيرا ما أشعر اني غير طبيعيَّة، مجنونة بشكل أو بآخر لكنه ذلك النوع من الجنون الذي يصعب المساك به، أو ملاحظته من جانب المحيطين" ، أنا وحدي أشعر بهذا الجنون الأليف الذي ينمو بهدوء ودأب بداخلي، يبدو كسرطان كامن يأكلني من الداخل".

خلاصة الحديث: ليس هنالك أدنى شك، بأن هنالك دور هام لاستخدام الشخصيَّات غير السويَّة في الرواية، أو القصَّة، ويُعتبر هذا النهج، نهجًا حديثًا في الأدب العربي المعاصر، وأسلوبًا من أساليب الإبداع للراوي، الذي ينجح في تحريك الشخصيَّة وِفق المواقف، والمضمون، بحيث يستطيع إبراز مكنونات، وخفايا النفس البشريَّة، وآفات المجتمع من خلال هذه الشخصيَّة.

وقال جميل السلحوت:

لا أعرف لماذا ألحت على ذاكرتي فكرة أن الأديبة المصرية منصورة عز الدين هي نفسها سلمى رشيد بطلة روايتها"وراء الفردوس"مع أنني لا أعرف الروائية، ولا أعرف شيئا عن حياتها الشخصية، سوى أنها روائية وقاصة وتعمل محررة في مجلة"أخبار الأدب"المصرية، فمن المعروف أن الأديب يكتب شيئا من سيرته في ابداعاته، ومعروف أيضا أن الأديب هو ابن بيئته، وبالتأكيد فان الروائية منصورة عز الدين لم تكتب سيرة ذاتية، لكنها كتبت واقعا اجتماعيا عايشته أو عرفته، أو سمعت به في احدى قرى الريف المصري، وهو ليس بعيدا عن واقع الريف العربي في بلدان عربية أخرى، وقد جاء السرد الروائي يحمل في ثناياه قضايا متشابكة ومتنافرة ومتلاحمة، لكنا مرتبطة بخيط خفي لترسم لنا واقعنا المتناقض بمرارته وحلاوته، فهناك قصص تدمير الأراضي الزراعية لصالح معامل الطوب والتوسع العمراني، وما يصاحب ذلك من ثراء فردي وفقر جمعي وتخريب اقتصادي، والأحلام وتفاسيرها، والجذور العائلية والعادات والتقاليد، وقصص الحياة والموت والطلاق والانتحار والاشاعة، وحتى الصراع داخل الأسرة نفسها، وبين الأم وابنتها، وبين الأشقاء، وحياة الفلاحين المزارعين، وبؤس الأطفال وشقاوتهم وحرمانهم، والعقم والانجاب، وتعدد الديانات والتعايش والتنافر بين أتباعها، والأفاعي والحشرات، والمتقلبون المتغيرون كالحرباء، وهجرة أبناء الريف الى المدينة أو انتقالهم للعمل فيها، وانعكاس ذلك على ثقافتهم، وانسحاب تأثيراته على قراهم، والحب والزواج والعلاقات الجنسية خارج الزواج وكيفية نظرة المجتمع اليها.

وتنبع أهمية رواية"وراء الفردوس" من كونها تتحدث عن الواقع الاجتماعي المحلي، فالأديبة التقطت أحداثا ووقائع محلية ورسمتها بصورة فنية لتعري المجتمع أمام ذاته، ولتقول للشعب هذا هو واقعك، وهي بهذا تطرح فلسفة الحياة لتجبر المتلقي على التفكير والتفكر وليخرج بالنتائج التي يتوصل اليها بنفسه.

اننا أمام رواية عميقة سهلة وصعبة، متعبة ومريحة في نفس الوقت ومن هنا تنبع أهميتها أيضا.
وقالت نزهة أبو غوش:

الهواجس والاحلام في رواية " وراء الفردوس"

ارتكزت الروائية منصورة عز الدين في روايتها على الكثير من الهواجس والأَحلام، والمعتقدات والخرافات التي ساهمت في تحريك وتطوير أحداث الرواية حتى نهايتها، على الأَغلب سيطرت هذه الأَحلام على الحياة الواقعية لبطلة الرواية سلمى التي ربما كانت تعبر عن واقعها المشوه الذي تحياه، كانت البطلة سلمى منقادة وراء أَحلامها، تركت القاهرة وعادت إِلى بلدتها في الأَرياف متأَثرة بصورة والدها التي كانت تراودها كثيرًا في نومها، حرقت كل ما تركه والدها في الصندوق متخلصة بذلك من موروثاتها القديمة، تأَثرت سلمى بحلمها الذي رأَت فيه بأَنها تقتل صديقتها جميلة ثم تدفنها بيديها، فظلت تحمل في داخلها شعورًا بالذنب والخوف والأَسى ومحاسبة الضمير نتيجة لهذا الحلم، كما أَنها كانت تحاسب زوجها الذي هجرهاعلى أَنه قد خانها نتيجة لحلم قد رأَته في منامها.

أَوردت الراوية عز الدين بعض الحواشي التي تشرح بها عن الأَحلام أَو بعض الحكايات الشعبية، كما أَنها أَلجأَت بطلتها لكتب فرويد، وابن سيرين فلم تتوصل لأَي تفسير لأَحلامها، ثم أَوصلتها للطبيبة النفسية التي نصحتها بتدوين أَحلامها. معظم الأَحلام كانت تدور حول شخصية صديقتها جميلة وشخصية والدها حتى أَنها اعتقدت بأَنه ما يزال حيًا، سيطرت على سلمى فكرة أَو معتقد بأَن صديقتها جميلة قد سرقت قدرها، لأَن جميلة كان اسمها قبل أَن يغيره والدها بعد اسبوع فقط، الأوهام والهواجس والأَحلام كانت أَكثر صلابة من واقع سلمى المعيشي، رغم كونها امرأَة متعلمة.

لم تكتفِ الكاتبة منصورة بإِلصاق الأَحلام بالبطلة سلمى ، بل تعدتها لباقي شخصيات الرواية، مثل العمة نظلة التي كانت تقضي أَوقاتها في تفسير الأَحلام للذين يلجأون اليها من سكان الريف المصري .

لجأَت الراوية لإِدخال عنصر الخرافة في الرواية من خلال شخصية المرحوم صابر الذي كثيرَا ما كان يظهر شبحه للكثيرين من الناس في البلدة وخاصة لابنته جميلة حين كانت تزور البيت المهجور، كذلك شبح أُخت سلمى التي ماتت منتحرة، حتى أَن نساء البلدة حلفن اليمين بأَنهن رأَين شعرها الطويل يسير ببطن منتفخ في الخلاء.

للمعتقدات في الرواية دور كبير وتأْثير على شخصياتها. مثل رمي البصل في النيل، من أَجل ابعاد الشياطين.كذلك عدم تقبل النصرانيين في البلدة لاعتقاد الناس بأَنهم يكفرون بالله ويجلبون النحس" هي ضاقت في وشك ما لقيتش غير النصراني ده تشغله عندك؟...ربنا مش هيباركلك في المصنع طول ما النصراني ده فيه" ص76.

الهواجس والأَحلام في رواية منصورة عز الدين، لماذا؟ هل أَرادت الكاتبة أَن تعبر عن حالة البؤس، والفشل عند المجتمع المصري، فلجأَت إِلى التمسك بالجهالة والضلالة والخرافة والأَحلام، لتصبح روايتها صورة للحالة النفسية الذي يعيشها الشعب المصري خاصة، والشعوب العربية عامة؟ أَم أَرادت الكاتبة أَن تبحث عن فردوس مفقود تراه بعد غمضة عين؟ " صارت تغمض عينيها كثيرًا، تغمضهما فتغرق في فردوسها الملون بأَلوان قوس قزح...مع استمرار الإِغماض تتداخل الالوان ببعضها البعض...تصبح الجنة بالنسبة لها هي بستان خوخ وقت ازهاره..." ص218.

وبعدها جرى نقاش مطول شارك فيه كل من ابراهيم جوهر، سمير الجندي وهاني غوشة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى