الأربعاء ٢٧ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم مصطفى أدمين

غصّة الأمِّية

إنّ أخطر عدوّ بالنسبة للمغرب ليس (الإرهاب) ولا (الجار) أو (المجرور). أخطر عدوّ له هو (الأمِّية). ولمّا نتحدث عن (الأمّية) فإنّنا لا نقصد (الأمّية الهجائية) فقط، بل (الأمّية في معناها الواسع)؛ أيّ (تلك الأنماط الفكرية والسلوكية واللغوية...) التي تجعل من المملكة المغربية بلداً متخلّفاً على الركب الحضاري بامتياز.

تشير بعض الإحصائيات أنّ نسبة (الأمية الهجائية) تناهز %49 أيّ أن المغرب يتوفّر (ما شاءت السياسة لا ما شاء الله) على 15 مليون أمّي لا يعرفون حتّى كتابة اسمهم الشخصي. وإذا أضفنا إلى هذا الرقم الأشخاص الذين لا يمتلكون سوى المعارف المرتبطة بتخصصهم المهني، فإن نسبة (الأمّية الموسّعة) ترتفع حتما؛ ومع احتساب الأنواع الأخرى من (الأمِّيات؛ الأمّية الصحافية، والفنية، والثقافية، والرياضية، والسياسية، والرقمية...) سنجد أنّ 9 مغاربة من 10 أمِّيين.

وزارة التربية والتكوين تخصيصا، والحكومة المغربية تعميما، لا تدع أيّ فرصة إعلامية لرفع شعار (تعميم التمدرس) و(محاربة الهدر المدرسي والانقطاع المبكر عن الدراسة) وأحدثت مراكز لمحو (الأمِّية). وعلى الرغم من أنّها أقرّت برامج تلفزيونية للثقافة والفنون والرياضات وغيرها، وأباحت القنوات الفضائية والإنترنيت، للحدِّ من هذه الظاهرة المخجلة، إلا أن العكس هو الذي حصل... فأين يكمن الخطأ؟

غصّة الأمِّية أرّقت أكثر من رجل ثقافة وعلم وسياسة ـ على قِلّتهم ـ ولقد تعدّدت الأسئلة حولها والاقتراحات، وزاد الاستغرابُ بخصوص تفاقم الظاهرة بدل تراجعها إلى حدّ أن بعض الظرفاء قدّم هذا التفسير:[يجب أن لا نكون أغبياء؛ فعندما نرفع تقارير إلى الدولة بخصوص ظاهرة (الأمّية) وننعتُ سياسة الدولة تُجاهَها ب(الفشل)، فإنّ الدولة تقول:(الحمد لله، لقد نجحت سياستُنا)]

ظريفٌ آخر اقترح في أحد كتبه، لمعالجة ظاهرة (الأمّية) بأن يوكلَ أمورُها للجيش، على اعتبار أنها (الأمِّية) أخطر عدوّ يمكن أن يتسلّط على دولة، لأنّها المدخل الأساس لجميع أنواع الاستعمار، والقوّة السلبية التي تلقي بالبلدان في مستنقع التخلّف.

أنا مع هذا الاقتراح الطريف لسببين وجيهين؛ الأوّل راجعٌ إلى فشل المنظومتين التعليمية والإعلامية في الرفع من مستوى وعي المواطنين، والثاني، لكون بعض البلدان استعانت بالجيش فعليا، للقضاء على هذا العدوّ العنيد (بعض دول آسيا وأمريكا الجنوبية نموذجا).

ويبقى سؤال (هل تريد الحكومة تعليم الشعب وتوعيته أم العكس؟) سؤالا مشروعاً.

وإلى أن نسمع ردَّها، فإنّنا سنبلعُ مرارة ريقِنا، وسنساهم بما لدينا من إمكانيات شخصية وجَمْعوية لإيقاف زحف (الأمِّية) على مُدننا وقـُرانا وأحْيائنا وأنفسِنا إلى أن تعيَ الحكومةُ نفسُها بأنّ سموم وشُرور (الأمِّية) ليستْ بعيد عنها شخصياً.

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى