الثلاثاء ٣ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم بلقاسم بن عبد الله

الصحـفي بين الرقابة والحرية

.. وإلى أي حد يستطيع الصحفي أن يتحدى حواجز الرقابة الإدارية والرقابة الذاتية أثناء أداء مهامه الشاقة والشيقة ؟.. هل في استطاعته أن يتقمص مؤقتا دور الشرطي أو الجاسوس للوصول إلى مصادر الخبر؟.. وما مقدار كمية أكسجين الحرية الممنوحة للصحفي المحترف في وطني العزيز لممارسة مهنة المتاعب بكل صدق ومصداقية ؟.. تساؤلات مثيرة للجدل، واجهتني وصافحتني هذه الأيام، قبيل احتفالنا السنوي الرمزي بالعيد العالمي لحرية الصحافة والتعبير.

ويتحرك شريط الذكريات ليتوقف هذه المرة عند قضية حيوية حساسة، حدثت مباشرة بعد زلزال 10 أكتوبر 1980 بمدينة الأصنام التي استعادت إسم الشلف، حيث كلفت بمهمة صحفي مبعوث خاص لوكالة الأنباء الجزائرية APS لمدة أسبوعين متتاليين وسط خيام المنكوبين، أتابع عن كثب حجم المأساة وقوة التضامن، وأرسل الأخبار الجوارية والتحقيقات الميدانية في حينها، على وقع دوي عشرات الهزات الإرتدادية في اليوم الواحد.

ومباشرة بعد انتهاء هذه المهمة الشريفة، عدت إلى مقر عملي بالمكتب الجهوي لوكالة الأنباء بوهران، وسرعان ما وجدت نفسي في زحمة ضيوف الرئيس الأسبق أحمد بن بله الذي أطلق سراحه بمناسبة أول نوفمبر 1980 ومنع من أي تحرك سياسي، وكنت أول صحفي جزائري يتقرب منه وقتئذ، ويتحدى الحصار، قابلته مرتين، وأجريت معه حوارا هاما كاد أن يعرضني لعقوبة السجن.. وفي اليوم الموالي، تملكتني جرأة وحماس وخبرة (ج ح خ) الشباب، فبادرت بإرسال نص الحوار المطول إلى المدير العام لوكالة الأنباء ليبث في أمر نشره أو رفضه، وألحقته بمجموعة من الإنطباعات والأصداء حول إقامة الرئيس أحمد بن بله وتحركاته بولاية وهران.
وبعد أيام قليلة، تعرضت لاستنطاق لطيف ظريف من طرف عناصر الأمن بوهران، ثم استدعيت بعدها من طرف المدير العام لوكالة الأنباء وقـتـئذ، السيد المحترم: محمد السعيد الذي ترشح ولم يفز في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة لشهر أفريل 2009، واجهني بأسئلة محرجة حول ظروف وملابسات مبادرتي بإجراء أول حوار من نوعه مع الرئيس بن بله، وأجبته بكل عفوية وذكاء، وحذرني بضرورة استشارة المسؤولين قبيل القيام بمهمة صعبة لا تخلو من خطورة، فقلت ما معناه:أعتقد أن الصحفي مثل المحارب، عندما يجد نفسه في غمرة المعركة، لا ينتظر حينها الإستشارة أو التوجيهات الفوقية، وأغلق الملف مؤقتا.

وقد تحدثت مطولا عن هذا الحوار الهام وتساؤلاته ودلالاته في محاضرة ألقيتها بمدينة مغنية الحدودية بمناسبة إقامة الأسبوع التكريمي للرئيس أحمد بن بله منتصف ماي 2005 كما نشرت الحوار كاملا مع مجموعة من الإنطباعات والأصداء في نفس الفترة بكل من جرائد: الشروق، صوت الأحرار، البلاد، الجمهورية، وظلت عدة تساؤلات عالقة حاولت أن أجيب عنها في كتابي الجديد: مرافعات ومتابعات.. الذي ينتظر أن يصدر قريبا إن شاء الله..

وكان الذي كان، والحكاية تطول والأمثلة تتعدد، ومع ذلك يعود التساؤل الشرعي لينتصب من جديد.. وهل تكفي كمية أكسجين الحرية الممنوحة للصحفي المحترف في وطني العزيز لممارسة مهنة المتاعب بكل صدق ومصداقية؟..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى