الأحد ٤ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٥
قصة قصيرة
بقلم أحمد هيبي

العروس العمياء

عندما فسد زواجي الأخير، وحتى قبل أن أنفصل عن زوجتي، وكانت هذه هي الزوجة الثانية، اقترح أبي أن أتزوّج مرّة أخرى. وكنت أظن أنّ أبي آيس من حظّي في مسألة الزواج هذه. شيء ما يدفع الآباء دائمًا إلى الإهتمام بزواج أبنائهم، حتى في المرّة الثالثة. قال أبي: أنت بحاجة إلى أولاد. والبنات على قفا من يشيل، فلماذا تعذّب نفسك مع امرأة لا تلائمك؟ وعرض عليّ أبي بعض الأسماء. فظللتُ صامتا لا أحير جوابًا. بعضهنّ كان قد فاته قطار الزواج. وكان أبي يعتقد أنني ينبغي أن أتنازل في هذا الأمر بالذات، ما دام هذا هو زواجي الثالث.

وفي أحد الأيام، جاء لي أبي بعروس جديدة، قائلا : تفرّج عليها فقط. فإن أعجبتك تتزوّجها. ولا تقرّر شيئا الآن. بعد ذلك قرِّر كما تشاء. كان أبي يُلمِّح من طرف خفيّ، إلى إستعجالي في المسائل المصيرية، وقلّة صبري حين أريد شيئا.

هي فتاة في العشرينات من عمرها. ولم تكن خالية من الجَمال.ولكن العروس كانت عمياء. أمسكها أبي بيدها وجعلها تجلس على كرسي في منتصف الغرفة. هذا الرجل يجعل نفسه خبيرًا بالنساء، لمجرّد أنه تزوّج مرّة واحدة زواجًا ناجحًا. خسارة.. جسمها كان بديعًا، ناضجًا، مُهيّئا للجنس والإنجاب. كانت تلبس تنورة قصيرة. تخفي تحتها رجلين ابنوسيّتين كالرّخام. وكالنساء المبصرات، لبستْ جوربين ناعمين. ومن تحت هذين الجوربين، كنتَ تستطيع أن ترى لحمها الأبيض المكتنز. إنها تذكّرك بهكنة طرفة، تحت الخباء المُعَمَّد.

وما أن تحرّكت العروس أوّل مرّة، وكانت تجلس على الكرسي أيّاه، وتضع رجلا فوق رجل، حتى انكشفت رجلاها إلى منبت فخذيها. وهكذا أمكن أن أرى بوضوح طرفًا من ملابسها الداخلية. قلت في نفسي إنها لا ترى. ومن أجل ذلك لا تعرف أنّ الناس يرون عريها وهي غير مُنتبهة. وربّما كانت لا تقدّر تمامًا كيف ينظر الناس إلى هذه المناطق الحسّاسة في جسم المرأة. ثم خطرتْ لي فكرة ثانية، وهي أنّ الفتاة إنما تُظهر عن قصد مفاتنها. أليست هي في معرض الفحص والنقد؟

كنا في الغرفة وحيدين. ولكن العيون كانت تراقبنا من كافة الأنحاء. وحتى من الثقوب. وفي حين جلستْ هي في وسط الغرفة، بقيت أنا جالسًا على السرير الموضوع في الزاوية المعتمة. لم تكن العروس تستطيع أن تراني من أصله، حتى لو كانت مُبصرة، بسبب العتمة. وكان أبي قد صنع المطلوب تماما، فما حاجتها أن تراني؟ يكفي أنها تعرف فقط أنّ أعيني مُسلَّطة عليها كالكشافات. شيء ما شدّني إلى هذه الفتاة. آه لو أمكن فقط أن أقضي معها يومًا كاملا، أو ليلة .. ليس عن طريق الزواج طبعًا. فكيف يُمكن الزواج من عمياء؟ هذا لا يصحّ لمن كان في موقعي.
كنت أستطيع أن أتحايل على أبي طبعًا، وأطلب منه لقاء ثانيًا مع العروس، من أجل أن أتكلّم معها. كان هذا واردًا. ولا أظن أنّ العجوز كان يرفض لي طلبًا من هذا النوع. ذلك أن نزاهتي لم تكن يومًا موضع تساؤل عنده. ثمّ كيف يمكن إقرار الزواج، بدون حديث شامل مع شريك الحياة المنتظَر؟

وهكذا بقيتُ أحدّق في الفتاة، كأني أحدّق في تمثال مصنوع من الجبص. وتخيّلتُ نفسي متزوّجًا من هذه المرأة العارمة الأنوثة، والتي تكاد ملاحة جسمها تنضح من الثياب. وتساءلتُ لماذا لا يمكن الزواج من امرأة عمياء؟ سوف تكون امرأة بيت جيّدة، ما دامت لن تستطيع أن تخرج وتدخل كلّما وسوس لها شيطان الخروج. ولماذا يجب أن يعرف الناس أني متزوّج من امرأة عمياء؟ ولماذا ينبغي أن يعرفوا أني متزوج أصلا؟ إنّ العجوز يستطيع بما عُرِف عنه من حنكة، ¬أن يُدبّر مثل هذا الأمر. ولكن الزواج؟ إنه مشكلة..

وهنا لاحت مني التفاتة إلى الباب، فرأيت أبي قد جاء على عَجَل، وكأنه طبّاخ انتظر أن تنضج طبخة وضعها فوق النار. هل كان يقرأ أفكاري؟ لقد هزّ رأسه من بعيد. وحرّك يده. هوذا يسألني رأيي بإشارات من يده، مُعتمدًا¬ ربّما، على كوْن العروس تسمع ولا ترى. قلت لأبي مغتاظا: ولكنها عمياء يا رجل!

وهنا وضع أبي إصبعه على شفتيه، طالبًا أن يُسكتني. هكذا عرفت خطأي. إنّ الفتاة لا ترى، صحيح، ولكنها تسمع قولي. والآن صرت مُحرَجًا كلّ الإحراج.

قال أبي بصوت كالهمس:

- من قال إنها عمياء؟

قلتُ هامسًا بدوري، مُستعينا بإشارات من يدي وكتفي:

 تعال وانظر.. أما كنتَ تعرف ذلك؟ لماذا إذن كنت تجرّها جرّا إلى هذا المكان؟

وهنا رفعت الفتاة رأسها وأدارت وجهها نحوي، ثم فتحت عينيها بفخر واستحياء. بينما شبه ابتسامة نامية صارت تتجوّل على محياها. وموجة رقيقة من الدّماء غطتْ وجهها. وعندما نظرتُ إلى عينيها، رأيت عينين محدّقتين زروقاوين داخل إطار أسود دقيق، لم أرَ مثلهما في حياتي. إنها جميلة الجمال كلّه. بل إنها فاتنة.

والآن صرتُ مُحرَجًا أكثر من الأوّل. وكان ينبغي أن أعبّر عن أسفي. وقمتُ متثاقلا عن السرير، لأقدّم لها اعتذاري. لقد سمعتْ الفتاة كلّ ما قلته، وسوف تعيّرني به كلّ حياتي، لو قدّر لها أن تصبح زوجتي. ولكن العجوز التقاني في نصف المسافة بيني وبينها، وقال:

إلى أين أنت ذاهب؟ لا تتعب نفسك. إنّ العروس لم تفهم كلمة ممّا قلت. إنّ سماح (واصل العجوز يقول، وهو يذكر اسمها لأوّل مرّة) ¬لا تعرف أية كلمة من لغتنا، إنها ابنة مغترب قريب لنا في أمريكا. وقد استطعتُ إقناع أهلها بإرسالها إلينا من أجلك. تمن فقط من الله أن تقبل بك!


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى