الاثنين ٩ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم أنمار رحمة الله

الأغبياء

في طريق ٍ طويل، وقف رجلٌ يحملُ بندقية ً متخمة ً بالصبر والبارود. انبطح على الأرض مصوبا ً فوهتها إلى الإمام، لأنهم اخبروه أن الموت َ يأتي من خلف ِ التلال البعيدة، مرتديا ً عباءة ً سوداء، ويخفي وجهـَه خلفَ قناع ٍ ملطخ ٍ بالظلام. مرَّ الوقتُ وشيكا ً، والرجل منبطح ٌ لسنوات ٍ على ذلك الطريق، لم يغلقْ جفنـَه، ولم يحركْ جزأ من جسده الملقى كسجادة ٍ تراثية ٍ متعبة. سرتْ قشعريرة ٌ مخيفة ٌ في تفاصيل ِ جسده، حين تحسَّسَ شيئا ً يلامسُ رأسَه من الخلف. فـَتُرتْ يداه/انتصبَ واقفا ً/ أدارَ رأسَه ببطء، فانتبه لفوهة ٍ، غـُرِستْ بين عينيه اللتين تبعثرتا بعد ثوان ٍ، بطلقة ٍ رافقها البارودُ والدخان.

حين َ وقع َ الرجلُ على الأرض ِ صريعا ً، عبرَ جثتـَه الموت ُ الذي استمرَّ في مسيرته ضاحكا ً ومعربدا ً، يبحث ُ عن غبي ٍ آخر سيقتله غدرا ً على الطريق.

سارقُ الأطفال

في قرية ٍ وديعة ٍ هادئة، طفل ٌ يعيشُ مع أمه وأبيه، أرعبه خبرُ الشبح ِ الذي يُداهم ُ القرية َ كلَّ ليلة ٍ ليسرقَ طفلا ً من دون أن يشعر َبه الجميع. كيفَ يسرقُ هذا الشبح ُ طفلا ً يتوسّد ُ حنان َ أمه ويلتحفُ ذراع َ أبيه.؟في أي ساعة ٍ؟ في أي لحظة ٍ.؟. في كل ليلة ٍ كان الوالدان يحرسان ابنهما .ليلة ٌ يسهرُ الأبُ حتى الصباح ،وليلة ٌ تسهرُ الأم. في تلك الليلة فتح َ الطفل ُ عينيه ليصعق َ بوجهِ الشبح ِ ذي العين الواحدة، والأنياب التي تلمظ في جوف ِ الظلام.ويديه اللتين تشابكت في مقدمتهما الأظافر المعـْوجّة. وهي تتجه صوبه لتسرقه غيلة ً. تلفـّتَ الطفل ُ يمينا ً وشمالا ً فلم يجدْ أباه ولا أمه، أين هما...؟؟)سأل الطفل نفسه بعد أن وضعه الشبح ُ على كتفه ليهم َّ خارجا ً من النافذة .حاول الطفلُ الصراخ َ.صرخ عاليا ً ...عاليا ً (..أمي....أبي). ولكن صوتَ تأوهات ِ الوالدين وصريرَ سريرهِما في الغرفة المجاورة، كانا أعلى من صوت ِ طفل ٍ ذي لسان راجف ٍ، وعينين يملأهما الدمع والصراخ.

المتلصص

منذ صغره آلف الاختلاء َ بنفسه ، ومداعبة َ رجولته خلسة ً، أعوام ٌ تمرُّ، صيف/شتاء/ليل /نهار/سعادة/الم/والمتوحد ُ منهمك ٌ في خلسته مداعبا ً في كل مرة ٍ رجولتـَه حتى الوصول إلى ميناء الاسترخاء.

تزوج َ المتوحد ُ أخيرا ً، وحطم َّ بيديه أصنام َ الحيرة ِ والرغبة ِ المكبوتة. ولكنه فشلَ في الليلة الأولى /تقاعسَ في الليلة الثانية/صمَّمَ في الليلة الثالثة/تردَّد في الليلة الرابعة/انهزم َ في الليلة الخامسة/بكى في الليلة السادسة/توحَّد َ في الليلة ِ السابعة، حين تلصصَ من ثقب ٍ في باب الحمام على زوجته، وهي تغتسل ،مداعبا ً رجولته، التي استفزها منظرٌ قديم.

وجه ٌ يلبسُ وجه َ الليل

يرعبني /ينام ُ في شعري/يتلبسني/يسرق ُ بكارة َ الأشعار ورجولة َ القلم. يأتي في كل ليلة ٍ، لابسا ً عباءة َ الظلام، حاملا ً تحتها قلائد َ الدموع، وأمنيات ٍ محنطة، ورجفَ لساني حين كنت أأخذ درجة ً قليلة ً في درس ِ الحيلة والدهاء. يحمل ُ بيانو صغير، وصورة َ طفلة ٍ كنت اعشقها ولا تدري، وعطرَ معلمة ٍ كنت أتحسسه خلسة في شعرها كل صباح. حين اركض هاربا ً منه، أجده أمامي في كل مرة. ينفخ ُ في النخيل ِ فيعدو رافعا ً طرفَ سبـّاحه .يصرخ في وجه ِ المنازل فتنحني خائفة. يشربُ الأنهار ويأكل الصحراء كالرغيف. سأصارعه ...سأقتله..) هكذا صمَّمتُ وأقسمتُ. حين وصلتُ بعد ثلاث ٍوثلاثين سنة ٍ إلى وجهه المليء بالظلام، ركلته ...ضحك، بصقت على وجهه...فلعق البصاق متلذذا. حاولت خلع َ قناعه فلم استطعْ. هناك أيقنتُ قبلَ خنقـِه رقبتي ببرود قطبي.. انه (وجه يلبس وجه الليل).

جمهورية ٌ بلا معنى

الأسماء ُ أعلنتْ الثورة َ على اللاشيء. الأفعالُ أعلنتْ مقاومة َ الخائنين، الحروفُ أعلنتْ أنها في حياد وستكون مع الأقوى. اشتبكَ المحاربون منذ صباح ِ اللغة ،حين قدّمتْ الأسماءُ فيلقَ المبتدأ والخبر،فصدّتْ الأفعالُ الهجوم َ بصواريخ ِ أفعال ٍ ناقصة. تسلّلتْ كتيبة ٌ من أفعال ٍ ماضية ٍ إلى موقع ِ الأسماء. فذبحتها على الطريق ِ ميليشيات ٌ يقودها الفاعل. والحروفُ تتفرج ولا تتدخل أبدا ً، لأنها تنتظر المنتصرَ لتنظمَّ إليه بلا حرب ٍ. أخيرا ً لم يبقَ في ساحة المعركة اسمٌ ولا فعلٌ. وامتلأتْ الساحة ُ بدماء ِ الماضي والحاضر والمستقبل، وأشلاء ِ الممنوعين من الصرف، ومن قاموا بالفعل ِ ومن وَقَع َ عليهم يوما ً فعلٌ .

في اليوم التالي اجتمعتْ الحروفُ وأسَّستْ جمهورية ً خالية ً من المعنى.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى