الخميس ٢٦ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم مصطفى أدمين

المحيط

لي مع البحر حكايات أدبية لا حصر لها.

أنا لستُ صيّاد اسماك، ولكنّني قنّاصٌ من دون بندقية: أمسكُ بسلاحي وأشحنه بسائلٍ في لون دم الضفادع، وأجوبُ الأزقّة والشوارع في انتظار لقطة وجودية...

عندما أقتنص، أعود إلى غرفتي البسيطة، وأشرع في إعداد وجبتي المسائية...

والدتي لم تعلِّمني فنَّ إعداد المأكولات الشهيّة لأنّها كانت أمِّية، وأبي لم يعلّمني ما تعلّمه من طبخ اضطراري إبّان حرب الهند الصينية ضدّ فرنسا... من علّمني أسلوبَ طهي الحكايات هو ذلك الروسي آنطون تشيكوف.

للأحمق الحشّاش الفرنسي شارل بودلير دورٌ أخر في تعليمي متعة الاستمتاع بالمنتجات المحيطية.

ذات ليلة عاصفة، غرقتُ في قصيدة (البحر)، فما أنقذني من هول أسرارها سوى طبلُ السُّحور.

كنتُ في رمضان؛ وكانت القصيدة البحرية ما زالتْ تعصف بي.

بُعيدَ عيد الفطر، ركبتُ باخرة (موبي ديك) لرُبّانها (ميلفيل)، وهاجرتُ فيها وبواسطتها إلى عوالم محيطية غريبة. ومن تمَّ، أُصِبتُ بداء الأدب البحري.

والغريب حقّاً هو أنّني لم أتأثّر لا بالحيتان أو القروش أو الأصداف أو اللآلئ أو غير ذلك من الكائنات المائية؛ كنتُ دوما ـ ولا زلت ـ أتأثّر بحركة الماء طولا وعرضا، انخفاضا وعُلُواً، استقامةً ودورانا...

الماءُ... الماء اللامُتناهي هو سرّ الأسرار.
من الماء خرجت الأساطير والحكايات الغريبة والبطولات.
من الماء خرج الطموحُ البشري لكي يكون الجنس البشري إنساناً.
في الماء، ما زالت الإنسانية مُخبّأة.
وعلى الماء تأسّست جميع أنواع المظالم.
لكن؛ في ثنايا الماء، نشأت الموسيقى وتولّدت الأفكار.

كم كرهتُ ذلك الأستاذ الذي يذهبُ إلى المحيط كل يوم أحد، وفي يده قصبة صيد لأجل اصطياد سمكة بحجم خروف.
المحيط ليس للجياع.
المحيط للمجوّعين.
المحيط لمن لهم جوع الوجود.

المحيط للأدباء...

من يذهب إلى المحيط أمامه اختياران: إمّا أن يكتب نصّاً أدبيا، وإمّا أن يشربه...
وأمّا من يرونه مصدرا للثروات، ويلقون فيه جميع أنواع النفايات، فلا بُدَّ للمحيط أن يتقيّأهم يوما مّا.

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى