الجمعة ٢٧ أيار (مايو) ٢٠١١
السعيد موفقي لجريدة الأنباء الجزائرية

ثقافة التواصل بين الأجيال إبداعيا أمر بديهي

بقلم: خالدة مختار بوريجي

يحتسي فنجان قهوته على عجل، يسارع للقاء الفكرة، ينظر إلى ساعة الكتابة، يراقبها باستمرار، ونظره لا يتوقف عن مراقبة الناس وتقلب شخصياتهم وتباين أهوائهم ومراميهم.. نبضات قلمه تتسارع ويداه ترتجفان –لحظة الإبداع- كالعود الجاف الذي تذكره الربيع، يذكّره ضجيج الحياة بسنين المحاولة الأولى، يشدّه الحنين إلى أزقة المدينة القديمة، فيستنجد بفصول مجموعته القصصية الجديدة التي تستعد مطابع النكهة لتقديمها إلى المكتبات، لا ينقصها شيء من السكر أو الملح أو من توابل يعرفها هو فقط.. إنه القاص الأديب والباحث الجزائري السعيد موفقي، الذي أجرت معه «الأنباء» هذا الحوار القصير..

 سمعنا أنّك تستعد لإصدار مجموعة قصصية جديدة، فهل يمكن أن تطلعنا على شيء عنها؟
 مخطوطي الجديد هو مجموعة من النصوص، تحت عناوين مختلفة، ولكنها متجانسة في تمرير كثير من صور الحياة والأشخاص، تتناول سلوكهم بسخرية وبشيء من فلسفة الصراع الذاتي، قد تبدو بعض الشخصيات متفردة في مواقفها، تتقنع أحيانا بصفات أنثوية غير أنّها ما تلبث تفضحها هواش أخرى لا قبل لها بها.

 هل يمكن ان نحظى ببعض التفصيلات حول القصص الداخلية للمخطوط؟
 نعم، على سبيل المثال: «كمثل ظله»، وهو عتبة المجموعة الرئيسة، يتغلغل الناص في شخصية البطل، ليكشف تفاصيلها، ويضع أمامها مجازات الأشياء من داخلها.. تنتهي بفشلها. وهناك أيضا نص”لا يشبه إلا نفسه”، يتعرض لأحداث ليست ببعيدة، يتتبع فيها الكاتب سيرة شخصية أصابها جنون العظمة، لا تعاشر إلا أشكالا غريبة الأطوار، ونتيجة غرورها وبعدها عن الواقع تتوهم نفسها عظيمة، وأنّها من العظمة بحيث تفعل كلّ ما يحلو لها، حتى ولو كان ذلك على حساب الأبرياء …وهناك عناوين أخرى مشابهة مثل: “برأس سافر”، “عطر جارتها”، “كلب المدينة”..

 هل يمكن، إذن، ان نقول ان القصة القصيرة الجزائرية بخير في ظل المنافسة الشديدة التي تتعرض لها من أجناس أدبية أخرى، كالرواية؟
 القصة الحديثة يعني منذ ما قبل الاستقلال إلى يومنا هذا، فقد مرت بعدة مراحل بدايتها البحث عن الموقع الاجتماعي والسياسي والإيديولوجي وتمكنت من معالجة القضية المركزية للجزائر من التحرير إلى البناء وإلى ما بعد الاستقلال تواصلت العملية بين هاجس الثورة والبحث عن معالم مستقلة في ظل الصراع العالمي الاقتصادي والإيديولوجي، فبرز جيل همّه التأسيس والتطوير، إذ أصبح التفكير في مشروع سردي قصصي يعنى ببناء النّص فنيا عملا بالتنظير السردي الجديد الذي بقوم على رعاية القصة وفق ما تتطلبه كلّ مرحلة من مراحل الكتابة والانشغال بالذات والهوية …و بعملية إحصائية بسيطة لاقت القصة بين مرحلتي السبعينيات والتسعينيات توجها ملفتا مع تزايد كتابها ورسوخ فكرة المدونة القصصية التي تسعى إلى إيجاد موقعا هاما رغم مزاحمة الرواية لها مما يعني أهمية مكانة القصة لدى كتابها القراء على حد سواء، لعل عوامل عديدة كانت من وراء ذلك.

 الجيل الجديد من الأدباء الشباب يحملون الأجيال التي سبقتهم كل عثرات القصة القصيرة الجزائرية، ويقدمون أنفسهم كمنقذين، فما مدى صحة ذلك من وهمه؟
 عندما نتحدث عن أدب الشباب عموما والقصة خصوصا، فليس من السهل أن نحكم على جيل بالضعف أو المسؤولية هكذا جزافا، فالعملية تبنى على مقاييس ومعطيات واعية، وثقافة التواصل بين الأجيال إبداعيا أمر بديهي.. لا أعتقد أنّ هناك من يجهل هذا ولا يقول عكس ذلك إلا متطاول لا يدرك معنى الكتابة، وتنوع الأجيال واختلاف كتاباتها، لا يعني ضعف الأول، ولا قوة الثاني، ولا العكس أيضا، كثير ممن انتسبوا إلى هذا الحقل أو ذاك يتطاولون على قامات أدبية وهي لا تمتلك أبسط الأدوات، ولا يرقى مما تظنه إبداعا لا في قليله ولا كثيره إلى ما تعنيه العملية الإبداعية، والحقيقة أنّ كتابة القصة كفنّ له حظوة كبيرة في الأوساط الشبابية الجزائرية، تتنوع أساليب كتابتها من فئة إلى أخرى، بعضها يميل إلى الرمزية وبعضها الآخر يغلب عليه الشاعرية، حتى بات كثير مما يكتب منها لا فرق بينه وبين الشعر، وطرحت في هذا الصدد أسئلة عميقة على مستوى التنظير عربيا وعالميا .

 وبخبرتك الأدبية الطويلة، هل ترى أن الإعلام الثقافي قد قتل أعمالا أدبية بسبب عجز منه في الوصول إلى مستوياتها الإيحائية مثلا؟
 بالرغم مما يقدمه هذا المنبر الخطير فهو مسؤول عن كل ما ينشره أو يبثه إلى المجتمع، ومساهمته الثقافية أخطر من أي جانب آخر، والإبداع أكثر هذه الجوانب تأثرا، نظرا لأهمية الحرف والكلمة والجملة والفكرة والمعنى… وما بينها من أدوات وروابط تتصل بالقارئ، فسيظل هذا الأخير ينتظر مما يقدمه هذا المنبر من نتاج ونوعية أدبية، ولكونه يكن له احتراما ثقافيا كبيرا، ويقرأ فيه الصدق المهني والأدبي واللغوي، فلابد أن تكون هذه المنابر في مستوى الثقة.

 ما الذي أضافه الأدب إلى السعيد موفقي، وماذا أنه أضاف إليه؟
 ماذا يمكن للسعيد موفقي أن يضيف، غير أنّه أدرك حقيقة الكتابة وتعلّم الإصغاء أكثر من الكلام، ويحترم كل من كتب حرفا وقدسه، وسيبقى كذلك .

 هل هناك نص ندمت على كتابته؟ أم إن علاقتك بنصوصك كانت دوما جيدة؟
 من الغرور أن أحكم على نص يصبح بعد تداوله ملكا لغيري، ومن الخطأ أن أحكم عليه بغير ذلك أيضا، حينئذ يبقى الحكم على ذلك للقارئ الحقيقي والناقد الموضوعي .

بقلم: خالدة مختار بوريجي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى