الثلاثاء ٣١ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم محمد أبو عبيد

مقطع «يوتيوبي» لمدرّس غير «يوطوبي»

مرة أخرى أذَكّر بأنه عندنا، نحن العرب، لابد من "طوطم" أو حادثة تصبح رمزاً لما خفي حتى يتحرك المسؤولون لعلاج المرموز له، إنْ كانت لديهم نية في التحرك. فنحن لا نوظف نظرية الضربات الاستباقية بمفهومها اللاعسكري على عكس الدول القوية والمتقدمة التي تتقن النظرية عسكرياً، وكذلك اجتماعياً وإنسانياً، لذلك نتنبه إلى خطورة الفأس بعد أن تقع في الرأس.

انتشر مقطع "يوتيوبي" لمدرس في حضانة أطفال بمصر وهو يعاقب عدداً منهم بالضرب الذي يعتبر مبرحاً مقارنة بأعمارهم ولِين عودهم، وكانت ردات الفعل عليه كما لو أن العالم العربي بريء من العنف في المدارس. تحول المقطع رمزاً لتنبيه المسؤولين بقضية عنف بعض المدرسين بحق تلاميذهم في كل العالم العربي، لكن لم يعش الرمز سوى أيام بفعل قرار المحكمة.
ليس المقصود هنا قضية شخص بعينه وهو المدرس الذي ظهر في المقطع، لأن مثله كثير، إنما ثمة أبعاد أخرى لتلك الواقعة. إنها، أولاً، تؤكد بما لا يدع فسحة للريب، أن نهج "العصا لمن عصى" مازال متبعاً في المدارس، رغم عدم إنسانيته، خصوصاً في مناطق الأرياف أو تلك التي يُعتقد أنها بعيدة عن الأنظار.

البعد الثاني للواقعة المصوَّرة هو الهدف من تصويرها، والأنكى أن ضحكات سُمِعت صادرة، على الأغلب، من المصور، وكأن بكاء الأطفال فصل من ملهاة باعثة على الضحك، فقد انعدمت إنسانية المصور، بينما شوهد في المقطع عدد من الناس لعلهم أهالي بعض الأطفال.

الأبعاد الأخطر هي المتعلقة بردات الفعل وتعامل المحكمة معها. فمن العسير على العقل البشري أن يصدق أن أهل الأطفال تظاهروا دفاعاً عن المدرس الذي وصفوه "بالفاضل" لولا أن الكاميرا خير دليل. لقد جاهر بعضهم بالقول إنهم من طلبوا من المدرس أن يضرب أطفالهم لتربيتهم، وأن منهم من حضر ليشاهد ذلك. الأدهى والأمرّ أن من بين أهالي الأطفال محامين انسجمت مواقفهم مع مواقف بقية الأهل، ومنهم من أسقط صفة الضرب عما هو حقاً ضرب باعتباره مجرد تهذيب، والأولى للمحامين أن يكونوا قدوة للآخرين إنْ تغشيهم جهالة.

أما الصادم هو تعامل المحكمة مع الحادثة. فبعيداً عن الحيثيات القانونية التي يبتّ فيها خبير، لا يُعقل أن يرضخ قاضٍ لرغبة رهط من الناس مخطئين، فهناك حق عام لا تسقطه تظاهرة ولا تمحوه مصالحة.

وإنْ كان جهل بعض الأهالي قادهم للطلب بضرب أطفالهم، فيبقى للأطفال حق عام يحميهم من جهالة أو من تصرف أحمق، وبالتالي يعاقِب القاضي المدرس على أمرين: الأول ضرب الأطفال بهذه الطريقة وتصويرها، وثانياً لتلبيته طلب الأهالي بالضرب بدلاً من الالتزام بقواعد التربية، إنْ صح ادعاء الأهالي.

وحتى يكون القاضي أكثر نزاهة، فكان من العدل أن يحمّل الأهل قسطاً من المسؤولية لتمسي الواقعة درساً للكبار في مدارس الصغار


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى