الأحد ١٢ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم جميل السلحوت

تكريم الأديب محمود شقير في القدس

غصت قاعة المسرح الوطني الفلسطيني في القدس هذا المساء بجمهور الأدباء والكتاب والمثقفين المقدسيين وممثلي المؤسسات الثقافية والشعبية الذين احتفلوا بمبادرة من ندوة اليوم السابع الأسبوعية الدورية بالأديب المقدسي الكبير محمود شقير.

بدأالحفل بكلمة الكاتب جميل السلحوت الذي قال:

الحديث عن محمود شقير لا يفي الرجل حقه، فهو أديب متعدد المواهب، ومناضل لم تلن له قناة، وتحتاج أعماله وإبداعاته الأدبية الى دراسات وأبحاث، وسيرته حافلة نضاليا وإبداعيا، فالرجل اعتقل اداريا لمدة عشرة شهورفي العام 1969، ثم أعتقل مرة أخرى في العام 1974 وأبعد الى لبنان في العام 1975، ليتنقل بين بعض العواصم إلى أن عاد الى ارض الوطن في العام 1993، وكان سلاحه القلم دائما.

بدأ محمود شقير كتاباته الأدبية على صفحات مجلة الأفق الجديد التي أصدرها الراحل أمين شنّار عام 1961، واحتضنت أقلاما برزت لاحقا منهم: الشهيد ماجد أبو شرار، الراحل محمد البطراوي، الراحل خليل السواحري، الراحل عبد الرحيم عمر، حكم بلعاوي، صبحي الشحروري، وجمال بنورة. وكانت بداياته القصصية قوية ولافتة، وتدور أحداثها في مدينة القدس، والتي صدرت لاحقا في مجموعة "خبز الآخرين" التي قدم لها الراحل توفيق زياد.

وواصل محمود شقير كتاباته في القصة القصيرة، وقصة الأطفال والفتيان والرواية للفتيان...كما كتب مسلسلات تلفزيونية شاهدناها على الشاشة الأردنية، وكتب المسرحيات، احداها مثلها الفنان زهير النوباني وعرضت هنا في فلسطين، وكتب في أدب الرحلات، وكتب الخاطرة والمقالة الأدبية والسياسية والنقدية، لكنه أبدع في كتابة القصة القصيرة، والقصة القصيرة جدا التي يعتبر أحد روادها بل أحد مؤسسيها على الساحتين الفلسطينية والعربية، وقد صدرت له عدة مجموعات من الأقاصيص.

ومحمود شقير مسكون بالقدس التي يسكنها، ويتعذب بعذاباتها، وينتظر الفرج القادم لا محالة لها وله ولشعبيهما. ولذا فقد خصص عددا من مؤلفاته عن المدينة المقدسة، فعندما عاد من المنفى عام 1993 كتب رائعته" ظل آخر للمدينة" التي لقيت ردود فعل ايجابية واسعة، واعتبره النقاد جانبا من السيرة الذاتية للكاتب وللمدينة، وتوالت ابداعاته فصدرت له مجموعة القصص القصيرة جدا"القدس وحدها هناك" وكتاب"قالت لنا القدس" وأخيرا وليس آخرا مجموعة القصص القصيرة جدا" مدينة الخسارات والرغبة" التي صدرت قبل حوالي الشهرين.
ومحمود شقير المبدع الذي ترجمت بعض ابداعاته الى أكثر من لغة أجنبية، لتكون سفيرا لثقافتنا الوطنية والعربية عند الشعوب الأخرى، هو الفائز الأول بأرفع جائزة فلسطينية ثقافية، والتي تحمل اسم الراحل الكبير محمود درويش...وهو الذي يخوض في بحر التجريب، فيفاجئنا دائما بما هو جديد ولافت، فالرجل يطور أدواته الفنية بشكل مستمر...بحيث يشكل ابداعه مدرسة أدبية تحتاج الى أبحاث لترسيخها كي تستفيد منها الأجيال الشابة والقادمة، أما لغته الأدبية فهي مميزة وفريدة فالرجل يملك ناصية اللغة ويختار كلماته بعناية فائقة.

وأديبنا الذي انحاز الى الطبقات الكادحة من شعبه، ظهر انحيازه لهم في التعبير عن همومهم في كتاباته الأولى، لكن هذا الانحياز لم يكن على حساب الفن، فالرجل منحاز الى قضايا شعبه وأمته، فكان أنموذجا للمناضل الصلب الذي لا تلين له قناة، وللأديب الملتزم بقضايا الشعب والأمة، فكان نجمة تضيء ليل فلسطين.

ومما جاء في كلمة الأستاذ عبدالله صيام نائب محافظ القدس:

يسعدنا باسم محافظة القدس ان نكون معكم في هذه الأمسية المقدسية، احتفاء و تكريما بالأديب محمود شقير، فأديبنا فارس من فرسان القدس، بدأ مسيرة عطاء زاخرة منذ نعومة أظفاره، مستلهما الأدب من بيئته، متخذا من مغزل عجوز سواحرية قلما يكتب به على تراب ذلك الجبل الشامخ، حيث كبّر عمربن الخطاب رضي الله عنه، عندما أطل من قمته على المسجد الأقصى، وقد استلهم أديبنا محمود شقير من عبق القدس.... سورها...
تاريخها...حرفة الأدب و صناعته، فكتب للوطن... للحرية... للفقراء والمقهورين.

كيف لا وهو ان نظر يمينا رأى المسجد الأقصى، وإن نظر يمينا من الجهة الأخرى – فالقدس و فرسان القدس هم دائما من أصحاب اليمين- رأى كنيسة الجثمانية و جبل الزيتون.

أديبنا الكبير أبو خالد خالد وجد في كلماته مرآة تعكس واقع مدينته و قضيته، وأخذ من خيوط الشمس حروفا لكلماته الملتزمة، التي حملت آمال وطموحات ومعاناة شعبه حتى كانت كتاباته ذخيرة وبوصلة لمسيرة ثورته.

أديبنا.. لم يتعبه طول المسير والترحال، وانما زاد قلمه مضاءا وكلماته توهجا، فهو مؤمن بمستقبل شعبه، و لا يزال فارسا لقضية لم تنته، و لن تنتهي الا باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.

وقال الروائي عيسى القواسمي:

توأمين كما النبضة للقلب كنتما. أنت والقدس عاشقها لا فواصل تحجب عنكما هذا المدى. هو المكان يجدّد فيك الولادة قبل انسحاب العمر من مرآته... فيعاودك الحنين لخبز الآخرين. فوق الجبل، على بعد خطوات من الأقصى بلّلك الندى، فأمعنت في الذهاب إلى حلم المدينة التي لا تتنكر لذاكرتنا.

سأقول فيك نثرًا، لأن القصة القصيرة لم تُروّض إلا بقلمك، وفي خطواتك الأولى انتفضت الأرض أدبًا ومقاومة، وحين أبعدتَ خارج حدود عشقكَ، زغردت المنافي لكاتب آخر لم يودع نفسه... فكان اللقاء القمة في المنفى مع القريب البعيد، توأم الكلمة والمعنى: محمود درويش. وشاءت الظروف أن عدتَ وعاد محمود لكي تكون أنت أوّل من يُتوّج بجائزةِ اسمه.

في الغياب لا مكان لحضور الكلمات... محمود شقير قلم شلال تلين الصخور تحت انسياب معانيه، وتنحني الريح أمام ملامستها للجوهر والمضمون. أرصفة الزهراء تشهد وأعمدة النور في شارع صلاح الدين على قراءتكم الأولى.

مرّ التاريخ وعبر الآخرون إلى غاياتهم. أما أنت فمررتَ وانغرستَ أبعدَ من الجذر في الأرض... وأقربَ من عشق البحر للمدّ... فامتدادكَ واسع الخطوات، وكلماتك تتجاوز حدود معانيها كي تبقى في فضاءات الذاكرة معلقة.
ولن أطيل يا أبا الكلمات... ففي الإطالة ملل لا يليق له التمدّد أمام ما خطّت يداك... وسأكتفي بالترحيب بك في صالة تفتقر إلى الضوء، لأنه لا نور يوازي شعاعك ذاك.

وألقى الشاعر رفعت زيتون قصيدة عن القدس بعنوان "الى عينيك حبيبتي"

إلى عيْنيكِ تسبِقُني القوافي
وتعرفُ دربَها دونَ انحرافِ
تعاتبني إذا ما همتُ شوقاً
وليسَ الشّوقُ في عيني بِخافِ
ويصبحُ في هواكِ الحرفُ صبًّا
ويُمسي كاتبًا قصصَ العفافِ
أحبّك مثلما قدْ هامَ غيري
وأقسمُ بالذي مدّ الفَيافي
بأنّي في غَرامي موجُ بحرٍ
وكالطّوفانِ في العشقِ انجرافي
وإنْ كانَ التّولـّهُ فيكِ ذنبًا
فذنبي كانَ مِنْ قبلِ اقترافي
أنا الظّمآنُ في يومي وليلي
وأنتِ الشّهدُ كأسي وارتشافي
ومثلُ النّهرِ مِنْ عسلٍ مُصفّى
يُروّي العاشقينَ على الضّفافِ
وأنتِ الحلمُ قبلةُ عشقِ أمْسي
وحِبُّ غدي وخِلّي في المنافي
وقربُكِ كالنّدى في وجهِ صُبحي
وبُعدُكِ جمرةٌ فوقَ الأثافي
وأرجو الله أنْ يزدادَ عمري
لكيْ يزدادَ مِنْ حُبّي اغترافي
ألا ويحَ المتيّمِ كيفَ يغدو
منَ الذّوبانِ كالمرضى النِّحافِ
وكيفَ يلينُ للأحبابِ صخرٌ =
وينمو الزّرعُ في تربِ الجفافِ
فيا مَنْ وصلُها للرّوحِ روحٌ
عليلُ نسيمها للقلبِ شافِ
أجافي الشّمس لستُ بها شغوفًا
ولكنْ عتمَ ليلِكِ لا أجافي
ولست ُ أغارُ أنْ يلقاكِ ألفٌ
منَ العُشّاقِ في سَحَرٍ خلافي
وأغدو حارسًا حتّى تنامي
وأسهرُ كالنّجومِ فلا تخافي
ويا منْ قد سألتَ وحرتَ فيها
وأنكرتَ التّهافتَ في هتافي
أجيبكَ والحروف بها تغنّي
وقلبي مخلصٌ في الحبِّ صافِ
هي الأوطانُ عشقي وانشغالي
وفي روضاتِها يحلو طوافي
هي الأوطانُ قرّةُ عينِ عيني
وإنَّ القدسَ تسكنُ في الشّغافِ

وقال المحامي خالد محاميد:

صولجان الثقافة الفلسطينية للكاتب محمود شقير

"تلك آثارنا، مثل وشم يدٍ في
معلقة الشاعر الجاهليّ، تمر بنا ونمرّ بها"

أتشرف بتقديم حجرين رَسمْتُ عليهما صورة للكاتب محود شقير وللشاعر محمود درويش وغسان كنفاني، ورسم من رسومات ناجي العلي وبيتٌ من قصيدة محمود درويش "على محطة قطار سقط عن الخريطة" "أرى أثري على حجر فأحسب أنه قمري وأنشد واقفا، طلّلِيّةٌ أخرى وأهلك ذكرياتي في الوقوف على المحطة". وهذه الهدية تقدم، كما كتب على الحجرين، باسم "ندوة اليوم السابع القدس" التي أحرص على الإشتراك في نشاطاتها الأسبوعية دعما لقدس الثقافة وفلسطين منذ عدة أشهر. وباسم "جمعية اللّجّون الثقافية". واللّجّون هي قرية والدي محمود المهجرة منذ النكبة.

أجد بأن هذه الأمسية التكريمية للكاتب محمود شقير، بمناسبة حصوله على جائزة محمود درويش، قد وجدت لي سبيلا للتخفيف عن الأرق الشخصي الذي رافقني منذ وفاة شاعرنا محمود درويش، وللإيفاء بالعهد الذي قطعته على نفسي تجاه محمود درويش شخصا وتجاه قريته البروة المهجَّرة، وما يشكلاه من مجازٍ يمثل الملحمة التراجيدية الفلسطينية.

فقبل وفاة شاعرنا الكبير درويش بأربعة أيام كنت قد زرت قرية البروة المهجّرة، وعملت على اصطحاب عدة أحجار مما تبقى من بيت عائلته المهدّم، والذي كنت عرفت مكانه منذ جئت سنة 2007 "سائحا ومراسلا لصحيفة غربية" (في طللية البروة) مع أخيه أحمد وعمّه محمد السعد وابنتي أسيل، حيث أخبروني بأن "أبراهام" قد استولى على أرض البيت وحوله إلى "عجال بقر" ومسح بقاياه عن الأرض، الأمر الذي وصفه محمود درويش "يقول السائح انتهت الزيارة، لم أجد شيئا أصوره سوى شبحٍ" (طللية البروة).

أخذت هذه الحجارة وبعضا من أشتال الرمان والليمون والبرتقال والتين والتوت، التي اقتلعتها برفقٍ وحنّية، مما تبقى من البساتين في البروة إلى بيتي في الناصرة. وأذكر شتلة الرمان التي فتَّقت الصخور التي كان للتو "أبراهام " ومشتقاته قد عملوا على حفرها، وجرف المقبرة التي آوت رفات أهالي البروة منذ آلآف السنين، فتذكرت مشاهد الجماليات الفريدة التي سيطرت على مخيلة محمود درويش والتي رددها مرارا في أشعاره ومنها " كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة وجدنا غريبين معا" و" كأنها مطر على جبل تصدع من تفتح عشبه." و "عشب على حجر" و " حين تطيل التأمل َ في وردةٍ \ جرحت حائطا, وتقول لنفسك \ لي أملٌ في الشفاء من الرملِ\ يخضرُّ قلبُك..."

وقلت هذه الرمانة التي فتقت الصخر في البروة، ستبهج درويش حين أحدثه عنها وأزرعها في حديقة مكتب السكاكيني في البروة.

اتصلت يوم خميس بمكتب السكاكيني معلنا فرحا بأنني قادم الى رام الله وبجعبتي حجر من بيته في البروة، سأرسم عليه صورته كما فعلنا سابقا وأصدقائي "بجمعية اللّجّون الثقافية" حين رسمنا ابداعاته وصوره على جدارِ مدرسته التي تعلم فيها حتى سن السابعة قبل تهجيره مع أهله من البروة، حينها كتب محمود درويش "أرى أثري على حجرٍ". قالت لي على الجهة الأخرى من الهاتف " سيسافر محمود لإجراء عملية في القلب" وحينما يعود سنرتب الزيارة.

يوم سبت مساءا أقرأ شريط الأخبار في التلفاز معلنا "نجحت العملية الجراحية التي مرها محمود درويش". أتنفس الصعداء... بعد ساعة ونيف وعلى نفس الشاشة تصريح لعائلة درويش حول العملية... وبعد ساعتين خبر قاطع بوفاة محمود درويش.

هكذا، بقي الحجر في بيتي وأشتال الأشجار في دلوٍ على شرفة طلت على حيفا، تأملت المنظر مليا، أحجار من بيت محمود درويش المهدم في البروة ورمانة فتقت صخرة.

أردت اصطحابهما لرام الله لتوثيق الرابط بين الشاعر وما أرَّقه طيلة حياته.

بقيت الأشتال ثلاثة أو أربعة أسابيع على الشرفة وثم زرعتها في حديقة البيت قرب الحجارة.
اعتبرتها أمانة في عنقي، مجازية لعهدنا للوطن والشعر للثقافة والفكر والابداع والتفاني في حبنا لفلسطين، وقضية تراجيديا الشتات والظلم ومقاومة الاحتلال.
تذكرت ما كتب درويش في عودته المجازية الى البروة في قصيدة "كوشم يد في معلقة الشاعر الجاهلي"

"في حضرة الموت لا نتشبث إلا
بصحة أسمائنا...
عبثٌ ماجنٌ. لم نجد حجرا واحدا
يحمل اسم الضحية، لا اسمي ولا
اسمك
من مات منا، أنا أم
أنا؟
قال لا أعرف الآن."

الآن أنقذتني هذه المناسبة من أَرَقي لأنني أستطيع الآن أن أقدم الأمانة التي أودعها محمود درويش على كتفيَّ بأيدي كاتبنا الكبير محمود شقير.

فليتحمل عنى هذا العبء، وليحمل الحجر الذي لرب كانت أم درويش، حورية، أعدت قهوته أو خبزت خبزها عليه أو لربما عندما وُلد وفتح عينيه كان من أول ما شاهده في حياته.

هذا هو الحجر الذي وجدته في البروة، ولهذا رسمت عليه صورة المحمودان شقير ودرويش وكتبت عليه اسمكما.

فإذا كانت جائزة محمود درويش قد قدمها الشعب الفلسطيني لمحمود شقير فهذا هو الدرع الأوفي بحمل رموز قضيتنا الفلسطينية، والتزامنا باستمرار حبنا لبيت محمود درويش في البروة وبيوت اللاجئين الفلسطينيين تعهدا منا لتحقيق إياب النوارس إلى بيوتها.

أبارك لمحمود شقير على حصوله على جائزة محمود درويش ولأنه الأجدر بحمل راية الإبداع الفكري والأدبي، فأنقل له هذا الصولجان للإستمرار بالمعركة الثقافية وحمل شعلة الإبداع في خدمة شعبنا الفلسطيني.

أما الشاعر مفلح طبعوني فقد ألقى الكلمة التالية:

أذكر وفي ما تلى حرب الاحتلال 67 بأن نصوصا بدأت تُنشر في "الإتحاد" و"الجديد" تحت اسم, ربحي حافظ, علمتنا الالتزام بقضايا شعبنا والشعوب المظلومة. فيها من لغة التنوير والتحليل العميق المجنِّد والمعاني التقدمية المكثفة. وتعلمنا الحفاظ على لغتنا وغربلة الزوائد بنظرية نقدية تمحيصية فاحصة تعزز حراكنا الثقافي وتعمق العلاقة ما بين الفكر والوجود بحداثة متطورة.

لم نعرف حينها من هو ربحي حافظ. فحاولنا التقصي فقيل اسم مستعار لكاتب مقدسي تقدمي. بعد فترة علمنا بأنه لكاتبنا الكبير محمود شقير صاحب كتاب "خبز الآخرين" الذي يرتبط بمقدمته بالراحل توفيق زيّاد.

وما دمنا فد ذكرنا توفيق زيّاد فاسمحوا لي ان انقل لكم عن حادثة اليوم معه: ونحن في طريقنا من ناصرة الجليل الى "مدينة الخسارات والرغبة" – مرورا بمرج ابن عامر أتاني صوتٌ صادحٌ بأغنية "مرج بن عامر" التي فصحها توفيق زيّاد "قَطَعْنِ النصراويات \ النصراويات الجآذر\ كم قطعن مداكَ \ في خطو الأكابر" وفاجئني صوت زيّاد "وين رايح يا قاروط؟" قلت: لتكريم حبيبك صاحب "خبز الآخرين" في المسرح الوطني الفلسطيني حيث الحكواتي في القدس" فقال مؤنبا ببداهته السريعة: " ولك ليش ما بتكرموه في الناصرة؟" واخفتى بعد أن تداخلت رياح البحر من جهة الغرب في حيفا، جهة "الجديد" و"الاتحاد".

وها نحن نقف باعتزاز ووجل أمام "أبو خالد" لنقبَّل شبابيك القدس ونحيّي القائمين على هذه الأمسية.

كما أنقَّ محمود درويش القصيدة الفلسطينية أنَّقت أنت القصة القصيرة وكثفتها بقصة أقصر منها.

أمامنا أن ننجز الكثير الكثير من مكنونات الثقافة الفلسطينية خصوصا وأن جيل الطفولة الذي اهتتمت به وابدعت له بريادتك هو أكبر بكثير من جيل الشباب والشيخوخة ويحتاجنا اكثر من أي وقت مضى.

أبا خالد، شبابيك الناصرة, بلد حبيب قلبك توفيق زيّاد تستدعي بعض التأملات وهي تودّ أن تأتيها ليشتم أهلها ذكرى صديقيك زيّاد ودرويش ولينهلوا من مودتك وعطاءك وتجربتك والاحتفال بحصولك على جائزة محمود درويش.

بعده أشاد طارق السيد اشاد بدور الأديب شقير في الثقافة الفلسطينية.

وقال الناقد ابراهيم جوهر:

محمود شقير ابن القرية الذي حمل براءتها إلى آفاق الإبداع

لم يكن قد مضى غير ثلاثة عشر عاما من عمر النكبة الفلسطينية الكبرى حين كان فتى ريفي خجول يقتحم مبنى مجلة أدبية في مدينة القدس في العام 1963م. !!
فتى ريفي خجول، نحيل البنية، يتقدم بثقة بالنفس وهو يحمل إرث الثقافة القروية الفقيرة التي تنظر بمهابة عالية للمدينة ومن فيها وما فيها... ويكاد لا يصدّق أن هؤلاء الناس مثا أولئك الفقراء الذين يعرفهم في القرية، مع علمه بفقراء المدينة الأشدّ فقرا من الفقر الذي يعرفه.
ثلاثة عشر عاما سمينة ومكتنزة بالذل والعار مرّت على النكبة آنذاك، وبعد ست سنوات من الأحلام العاجزة ستحل صدمة مدوية كبرى أخرى ستحرق قلب الفتى المتفائل فتغيّر نظرته إلى الحياة ومسار قلمه وعلاقاته بالأشياء....حيث سيبعد لتسعة عشر عاما يطوف خلالها أصقاع الدنيا فاضحا من أبعدوه عن مرابع صباه، وحدائق عشقه، وذكرياته.

أنضجته السنوات التي صادرت براءة القرية وأبعدت براءة الفتى الريفي الحالم بدنيا الأحلام الوردية في المدن المستقرة المشتهاة في الخيال البريء ودحرتها ليحل مكانها قلم يوازي البندقية.

لعله كان يأمل آنذاك أن يوازي قلمه الوردة الصباحية، وبسمة الحب، وكلمات الغزل العذري الدالّ على أصالة الإنسان المعبّأ بحب الحياة...ولكنه الاحتلال الواقف بالمرصاد ليعتقل كل الكلمات الجميلة، ويمحو القصائد والقصص، ويفطر قلوب العشاق: عشّاق الحياة، وعشّاق الإنسان....فينتف ريشه في معتقل المسكوبية، ويسأله فتى فلسطيني عن الوطن قبل أن يطل من شباك الغرفة ويقول له: انظر إلى تلك السهول، هل تراها، وإلى تلك الجبال هل تراها...وإلى تلك الأشجار هل تراها؟

هذا الفتى ابن العشرين عاما، النحيل الخجول الذي يسير في شارع صلاح الدين ويصعد درجات مجلة الأفق الجديد بخجل قروي ونحافة جسد وأدب زائد، سيكون له مستقبل لافت، وسيتحدث عنه أهل العلم والأدب والسياسة...وسيعتقله الاحتلال ويبعده.

الفتى نفسه الذي سيصير أديبا يشار له ببنان الفصاحة والتجديد والإبداع سيكون اسمه (محمود شقير )، وسيكون شغله الشاغل قضية شعبه ووطنه المغتصب.

سيتمثّل الفتى الناشىء حكايات الرجال المقموعين في ديوان جدّه مختار العشيرة وهم يحكون بهمس غير بريء عن النساء والعلاقات في ليالي الشتاء وأمسيات الصيف القائظة، فتنعكس الحكايات في روحه ليعكسها في قصصه الاجتماعية الأولى ويطعّمها بالأبعاد الطبقية التي ترى الحل بالانتصار للطبقة الكادحة التي ستبني مستقبل الأطفال والناس والوطن.
من هذه الأجواء جاءت (خبز الآخرين ) لتحمل الهم الاجتماعي البعيد عن الهم الوطني المباشر الذي سيصيب بعض الكتاب المحليين في مقتل وهم يخطبون في الناس عن طرق القصة ولا يخطبون الفن !!

لقد جاء عنوان القصة الذي حملته المجموعة الأولى ليشير إلى لغة فنية تقترب من آفاق الشعر وهي تعتمد الإيحاء والإيجاز والصورة، مما يمهد للنقلة الفنية العالية التي سيحققها في أعماله اللاحقة التي استقرت –آنيا- في نمط القصة القصيرة جدا، واليوميات،وأدب السخرية والمفارقة، واللغة الناضجة الساحرة في بساطتها والأسلوب الذي يصح وصفه بالسهل الممتنع.
في العام 1975 سيبعد الاحتلال الإسرائيلي ذاك الفتى الذي كان يصعد درجات مجلة الأفق الجديد لينشر أولى قصصه عن العلاقات بين الناس ويرسم صورة الوطن المشتهى...ستحمله دورية عسكرية إلى الحدود اللبنانية الفلسطينية، وسيستفزه الضابط الغبي وهو لا يعرف الرجل الذي لم تحتمل دولة الاحتلال وجوده:

 اذهب الآن، ولن تعود من جديد إلى القدس...فيعانده الرجل المبعد بقوة الاحتلال وهو يستحضر قوة شكيمة البدوي، وارتباط القروي بأرضه، وثقة الفلسطيني بحقه قائلا له وهو يعلي التحدي:

 بل سأعود رغما عنك.....

 إنه الكاتب الذي تساءل ( متى يعود اسماعيل؟ ) في قصة حملت العنوان ذاته.

 محمود شقير اليوم بيننا، هنا، في القدس نفسها التي أحبها، وأبعد من أجلها، وكتب لها أجمل ما كتب عنها .

 عاد الرجل المبعد الذي تحدى الضابط الغبي الذي لم يدرس التاريخ...

 تحققت نبوءة الكاتب الذي سأل: متى يعود اسماعيل؟

 لقد عاد إلينا وهو الذي حرص على ألا ينشر أعماله في أي مكان غير القدس، فكان أن سبقته بالعودة ، وهو الذي لم تغادر روحه وأحلامه أرضها وسماءها.

 عاد إلينا، وهو باق بيننا، فخاب تهديد الضابط الذي يمثل دولة الاحتلال...عاد ليؤكد حقيقة البقاء والصمود على أرض التاريخ والديانات والحضارة والحق الباقي، وليواصل تقديم القدس إلى عشاقها بالقلم الريشة: ريشة الفنان الذي يرسم ويلوّن وينقل الأجواء بنكهتها الخاصة المميزة.

 ...مضت خمسون عاما منذ صعد ذلك الفتى الموعود درجات المجلة التي سيرتبط اسمه بها.

 ومنذ ذلك التاريخ البعيد نسبيا وهو يواصل صعوده في سلم الإبداع والتطوير الاسلوبي. إنه يواصل صعوده، في وقت يجرحني تواصل انحدار قضيته ونزولها على درجات لست أدري أين نهايتها !!!!

 خمسون عاما من الكتابة.

 خمسون عاما من التوجيه، والتعبير، والإلهام.

 خمسون عاما من حمل هموم الوطن على الكاهل المتعب وإخراجها من سنّ القلم إلى بياض الصفحات وبياض القلوب المنتظر دفقا دافئا من روح وعقل صادقين ناطقين بحب الوطن، ولا شيء غير الوطن: بأرضه،

 وتارخه،

 وناسه،

 ومستقبله، وأشجاره، وأعشابه، وحجارته....وكل من فيه وما فيه. بماضيه، وحاضره، ومستقبله.

 الوطن المكلوم المبتلى: بعلاقاته، وغرائبه، وكذبه، ونفاقه، وزيفه،

 وهو يعكسه على صفحة روحه بنقائه المشتهى الموعود،

 ومستقبله المأمول،

 وناسه المنتظرين.

فيا أبا خالد،

لقد علّمتنا نحن الذين تتلمذنا على كتاباتك وتضحياتك أن نكون صادقين مع أنفسنا، ومع قرائنا، ومع أقلامنا.

لم تقل مباشرة: لا تخونوا أقلامكم وأماناتكم لأنها الجزء المادي المنظور من أرواحكم، فكيف يخون الإنسان روحه !!

ولم تقل: غنّوا ولا تيأسوا. اكتبوا ولا تيأسوا. اعملوا بصدق وإخلاص....

لم تقل لنا هذا أو قريبا منه... ولكنك قلت هذا كله، وأكثر.

قلته في قصصك للكبار، حين أبقيت الأبواب مشرعة للأحلام الوردية، والتأويلات الممكنة.

وحين حرّضت على آكلي حقوق الناس وحق الوطن.
وحين استهزأت بالساعين بحثا عن خلاصهم الفردي تاركين الوطن يغرق في بحر دمائه وأحزانه.

دماثة خلقك لم تشأ المباشرة، فكان الرمز.

واحترامك وعي القارىء وثقتك به جعلاك تكتفي بالتلميح وأغنياك عن التصريح.

وقلته في كتاباتك للأطفال لأنهم الأمل القادم.

لم تقل لنا: هذه القدس التي تتسرب من بين أيدينا اليوم لها ماض جميل مبهر، وواقع حزين مؤلم...ولكن قلمك الذي أضحى ريشة وكاميرا تصوير فنية ناطقة حمل إلينا كل المعاني الممكنة، وأبقى لكل مجتهد في التحليل نصيبا مما اكتسب .

كتبت بلغة سهلة، بسيطة، أليفة، ذات وقع خاص، لا هي بالشعر، ولا هي بالنثر، ولا هي بالصورة، ولا هي باللوحة...ولكنها هذا كله، وليست واحدا من هذا كله.
لقد تحولت اللغة وهي تعجن في معجنك الخاص إلى لغة خاصة ( لغة شقيرية ) بامتياز. سيجد الدارس ما يميّزها عن لغة الأجناس الأدبية المتعارف عليها..

ل الممدود الواعي فتحاور المقال والسيناريو لتخرج من عدسة الرؤية راسمة رؤيا مفتوحة على آفاق وفضاءات تعطي القارىء وفق حاجته ما يكفيه.

الصورة الكلية عند محمود شقير في عمومها تصل القارىء بمستوياته المتباينة لأنها تحمل أوجها قابلة للتأويل المفتوح على إيحاءاتها المتطاولة واكتنازها الجميل.

إنه يحكي حكاية بسيطة، أليفة، عادية، يومية التقطها من الذاكرة الشخصية أو الجمعية. أو ينقل الحدث اليومي العابر العادي ـ أو حتى الخبر العادي العاري من لغة الأدب وروح الفن والشعر لأنه مشبع بلغة القتل وروح الدم، فيخمّره ويلبسه ثوب وعيه ويحمّله رسالته فيخرجه إلى الناس طفلا جميلا، أو رجلا مكتمل البهاء والأنفة والكبرياء، أو شيخا وقورا حكيما، أو امرأة مناضلة تحتمل ظلم الزوج والأقارب، وتتحمل ظلم الأباعد وتنكّرهم.

على يديه مثلا تصير (زهرة الصيف) إنسانا، وتصير امرأة تشارك في نضالات شعبها ضد المحتل، وتتفقّد الناس والأماكن لتطمئن عليها وعليهم.
زهرة الصيف تغادر حديقة المنزل. تقوم بواجبها السرّي بعيدا عن عدسات الفضائيات وأنشطة رفع العتب. ثم تتسلل ليلا. تقف على بوابة الحديقة المنزلية. تخلع ثوبها الإنساني، وترتدي ثوبها الزّهري النباتي، فتدخل الحديقة وتنضم إلى جاراتها في الواقع والمكان والأحلام المشتهاة.

العادي يتحول إلى خارق فانتازي. والعادي المأساوي يتحول إلى سخرية مضحكة مسلية ساخرة وساحرة ذات مفارقات ملفتة. إنها ساخرة في سخريتها من أولئك المتحكمين في مصائر الشعوب،،،وساحرة لأنها مدهشة في التناول والمعالجة والتقديم وسير الحدث في إطار من الفانتازيا الواقعية.

هكذا وجدنا (كونداليزا رايس ) تصير ابنة خالة الراوي. وكذا ( شاكيرا ) ولا حمدا ولا شكورا !! وهكذا تزور الشخصيات الأميركية حيّ الراوي فتبدأ معاناته في البحث عن مكان يتسع لها وللحرس المرافقين....

وفي أدب الطفل يسعى لتقديم ما يمتع ويفيد ويربّي ويؤدلج.
وفي الكتابة للتلفزيون اختار الشخصيات الوطنية التي وقفت في وجه الاستعمار والمخططات العدائية، فكان ابراهيم طوقان، وكان عبد الرحمن الكواكبي، وكانت أحداث المعمورة البسيطة التي تآمر عليها المتآمرون.

هذا كاتب متعدد المواهب،

كاتب دائم التجدد وهو يبحث عن الأسلوب الأنسب،

ويخاطب القارى وفق تغيّر أهوائه واهتماماته.

لا يكتفي بما وصل إليه من منجزات إبداعية، ولا يركن إليها. يعمل بهدوء ووعي، ويعرف ماذا يريد ؛ إنه صاحب مشروع ثقافي خاص به، يحمل بصمته الخاصة الممهورة بآلام وطنه.
بدأ تقليديا، انتقد الواقع الطبقي في وطننا بأسلوب كلاسيكي ناضج. ثم انتقل إلى كشف ضعف الإنسان في العدو اللاإنساني، ليقول لنا: إن الانتصار ممكن.

واليوم بات يدمج لغة النثر بالشعر بالسينما، ويصرّح ويرمّز. إنه يدخل القصيدة إلى بيت القصة .
وهو الذي طوّر مشروع القصة القصيرة جدا بعد تجارب عديدة واختبارات طويلة، حتى بات لها هيكلها الخاص وأسلوبها وجمالها ولغتها وقراؤها وتأثيرها.

إنه كاتب يجدّد أداته الفنية بحرص واع وبجديّة عالية.

يكتب يومياته بأسلوب أدبي فني يتطور باستمرار.

... هذا (محمود شقير ) الذي لم يقل كل ما يجب أن يقال،

ولكنه قال ما لم يقله كثيرون. قال بصمت،

وتواضع،

وثقة،

وحضور إنساني وطني صادق.

همّه سعادة الناس في وطن حقيقي خال من كل المنغّصات الطبقية والاحتلالية، وخيانة الأخوة الأعداء.

ثم ألقى الأستاذ موسى أبو دويح كلمة دينية دعل فيها بالهداية لجميع الحضور ولكافة البشر.
وفي النهاية ألقى الأديب محمود شقير الكلمة التالية:

الأخوات والأخوة/ الصديقات والأصدقاء

شكرًا لحضوركم، وكلّ الشكر والتقدير للأخوة وللأصدقاء الذين تحدثوا في هذا الحفل، ووضعوا على عاتقي جرّاء كلامهم الطيب مسؤوليات جديدة، علي أن أضطلع بها لجهة مزيد من الكتابة الإبداعية المتميزة.

ولأن السبب الذي دفع ندوة اليوم السابع لتنظيم هذا الحفل، له علاقة مباشرة بجائزة محمود درويش التي فزت بها قبل ثلاثة أشهر، فلا بدّ من القول إنني فخور بهذه الجائزة التي تحمل اسم شاعرنا الكبير محمود درويش، الذي أخذ فلسطين إلى العالم من خلال شعره الإنساني الفذ. وأذكر أنني قلت للأديب زكي درويش، وهو أحد أشقاء محمود، حينما هاتفني من الجديدة لكي يهنئني بفوزي بالجائزة، قلت له: هذه الجائزة التي تحمل اسم محمود درويش تكفيني حتى النهاية، ولست أتطلّع إلى أية جائزة أخرى، لأنني أعتبرها أكثر أهمية من أية جائزة أخرى، وهي مصدر فخر واعتزاز لي، حيث أنني أول فلسطيني يفوز بها.

وأعتقد أن من واجبنا جميعًا العودة دائمًا إلى ما تركه لنا محمود درويش من إرث إبداعي عظيم، لكي نتمثل ما فيه من قيم فنية وإنسانية ونضالية. وأنا شخصيًّا أعود بين الحين والآخر لدواوين محمود درويش فأكتشف فيها في كلّ مرّة ما هو جديد وممتع وقابل للبقاء، وللتأثير في النفوس وتحفيزها إلى كلّ ما في الحياة من جمال وبهاء. ولذلك فسوف يبقى محمود درويش معنا وبيننا إلى أبد الآبدين، وسوف يبقى محلّقًا في سماء فلسطين، مزروعًا في تربتها الطاهرة، لأنه نذر نفسه وشعره وكلّ حياته من أجل فلسطين ولأجل فلسطين.

ولا بدّ في هذه الكلمة الموجزة من التذكير بالوضع الخطير الذي تحياه القدس في ظل هجمة التهويد الإسرائيلية والاستيطان، ولذلك، فمن واجبنا أن نضع القدس في رأس جدول اهتماماتنا لكي نسهم في ردّ العدوان الواقع عليها، وفي صيانة عروبتها وتعزيز تراثها الإسلامي والمسيحي، وجعلها عصيّة على التهويد. وأتمنى، في هذا الصدد، على ندوة اليوم السابع أن تناقش ولو مرّة في كل شهر كتابًا أو عملاً فنيًّا له علاقة بالقدس.

ويكفي الآن أن أذكر كيف يهتم الأدباء الإسرائيليون بالكتابة عن القدس، لكي يؤكّدوا لشعوب العالم على أنها مدينة يهودية، غير آبهين بحقائق التاريخ والجغرافيا التي تقول عكس هذا الإدعاء. ولعلّ رواية "امرأة في القدس" للروائي الإسرائيلي أ. ب. يهوشواع، وهو محسوب على معسكر السلام الإسرائيلي، أن تكشف ما يقع فيه، حتى دعاة حلّ الدولتين في الجانب الآخر، من مغالطات، حينما يعلن في روايته بأن القدس هي مدينة العالم، لكنه لا يتطرّق للفلسطينيين المقدسيين المقيمين في المدينة إلا بسطر واحد يتيم، فكأنه لا وجود لهم ولا تأثير ولا وزن ولا اعتبار!

ويمكن استشعار تأثير الدعاية الإسرائيلية في أذهان شعوب العالم يمكن عبر شواهد شتى. وقد عبّرت الشاعرة الفلسطينية الراحلة فدوى طوقان عن شيء من ذلك في قصيدة قديمة لها، تصف فيها حوارًا دار بينها وبين مواطن انكليزي، حينما كانت ذات صباح تتنزّه على ضفاف نهر التايمز في لندن، حيث تقول:

طقس كئيب وسماؤنا أبدًا ضبابية

من أين؟ إسبانية؟

أنا من روابي القدس

وطني السنا والشمس

آه عرفت، إذًا يهودية!

يا طعنة أهوت على كبدي صمّاء وحشية.

أخيرًا، وتجاه ما ذكره الأخوة المتحدثون، من إطراء على تجربتي في الكتابة، فإنني أشعر جرّاء ذلك بمسؤولية أكبر، وأعدكم بأنني سوف أسعى إلى أن أواصل الكتابة من منظور أكثر تطورًا وتجديدًا، وسوف أظل أكتب ما حييت من أجل القدس، ومن أجل فلسطين، ومن أجل شعب فلسطين الذي ما زال يواصل النضال، دون كلل أو ملل، من أجل الحرية والاستقلال.
بعد ذلك جرى تسليم درع المسرح الوطني للأديب شقير، كما سلمه المحامي خالد محاميد حجرا من بقايا البيت الذي ولد فيه الشاعر محمود في البروة يحمل صورة الراحلين الكبار محمود درويش، غسان كنفاني، وتوفيق زياد، كم سلم حجرا مماثلا لندوة اليوم السابع ممثلة بمشرفها الكاتب جميل السلحوت.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى