السبت ١٨ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم مصطفى أدمين

سورياليات

الأُمَّة: في مدينة (المحمّدية)، دخلتُ إلى البنك التي تسرقني بشكل قانوني جدّاً، وبالكثير من عبارات المُجاملة؛ ووقفتُ على مسؤول القروض لكي أستفسره عن اقتطاع من أجرتي غير قانوني البتّة. وعند شباك آخر، وقف (زبون) ليستخرج ماله، فإذا بزبون ثالث يدخل ويهرول إلى الشباك إيّاه ويلتصق بـ (الزبون) مع أن البنك فارغة من (الزبائن) باستثنائنا نحن الثلاثة؛ وكأنّ لسانَ حالِه المتخلِّف يقول:(هل هناك من زحمة أم نفتعِلُها؟)

العبد المِلحاح: في حمّام عمومي مختلط (النهار للنساء والليل للرجال) بمدينة (ابن سْليمان)، وأنا في صهد المُستحَم، طلب مِنّي رجلٌ قليلا من الصابون البلدي فدهن به سائر جسده، ثم طلب مِحكّاً فقلتُ له:(إن أعطيتُك فسأكون مضطرّا للتخلّي لك عنه) فردَّ:(لا بأس)، ثم طلب قليلا من الشامبو، ثم المُشط، ثم طلب منّي أن أدلقَ الماء عليه بينما (هو) يغتسل... وعندما خرجنا إلى قاعة الجلوس، طلب فوطتي، ثم خلع سرواله الداخلي ومدّه إلى رجل كان ينتظر ولم يقل له حتى كلمة (شكرا)، وعند الأداء، طلب من رجل آخر أن يؤدّي عنه... من هذه الحادثة، لم أعُد أذهب إلى الحمّام البلدي... انقضت حتّى الآن 17 سنة؛ والغريب هو أنّني اكتسبتُ صِحّةً جيّدة ولم أعُد أمرض بنزلات البرد، أو التعفُّنات الجلدية...

الاختيار: في متجر كبير بأكادير، تقدّم عليَّ زبون إلى شُبّاك الأداء، وكان يدفع عربتين؛ الأولى مملوءة حتّى أعلاها بالمواد الغذائية (الحلال)، والثانية مملوءة بالمشروبات الكحولية (الحرام)، فلم تكْفِه النقود، فقال له الساعي:(يمكن لك أن تتخلّى عن بعض القارورات...) فبدأ يُفكّر، واستمرَّ يُفكّر، والطابور يطول، وهو مستغرقٌ في حلّ (إشْكاليتِه الفلسفية العظيمة)... الاختيار صعبٌ ومُلزمٌ كما يقول (جان بول سارتر)، ونحنُ ننتظر أني ينتهي من التفكير. فجأة تهلّل وجهُه وابتسم وقال للساعي:(سأرجع بهذه المشتريات إلى أمكنتِها وسأحتفظ بالمشروبات الكحولية)...

وجوبُ وجود الدّم: في مدينة (سيدي سليمان) هناك ولدٌ عاقّ عمرُه ثلاثون سنة، يشرب الخمر مع أخيه الأصغر منه سِنّا في بيت جدَّتِهما وبوجود زوجته الشابّة (زوجة الأصغر). وبسبب السُّكر ـ رُبّما ـ شرع الأخ الأكبر يغازلُ الفتاة، فدار بينهما عِراكٌ حول (الشرف)، فتفضّل أحدُ الجيران بمُهاتفة الشرطة:(رجاءً، جيئواْ بسرعة، فهناك قِتالٌ بين أخوين مخمورين مُسلّحيْن..) فكان ردُّ وزارة الداخلية:(لن نحضر حتى يسيل الدم...) فطعنَ الصغيرُ كبيرَه في القلب، وبقيَ مُجنداً على الأرض حتى لفظ أنفاسَه الأخيرة...

وعود: قال (السياسي) في خطبة (سياسية):(المغربُ كان على شفير حفرة... والآن... والحمدُ لله... لقد تقدّم خطوةً إلى الأمام) ثم أضاف:(في سياستنا الفِلاحية، كان لدينا 500.000 رأساً من البقر، وسنعمل ما في جهدِنا وأكثر لكي يصير المغربُ كلُّه بقر في بقر) ولم يحتشم أو يفهم،فأضاف: (سنحقِّقُ مُخطَّطَنا الخُماسي ولو اقتضى مِنّا ذلك عشرين سنة)... حدث هذا في مدينة (الجديدة) سنة كذا وكذا...

البنية الفوقية والبنية التحتية: ليس لهذا العنوان الفرعي علاقة بعلم الاجتماع. ففي مدينة (بنسركاو) وبالضبط في حي (الوفاق الكبير) حُفرة طريقية صغيرة عمرها 12 سنة. طيِّب! وفي الشارع المتعامد مع القصر الملكي العامر بنفس المدينة شارعٌ بـِطول مائتيْ متر (على ما أظن) ثمّ تعبيدُها مثل النيلون في يومين وذلك بمناسبة إقدام وزير الفلاحة السيد أخنّوش على إحداث المعرض الدولي الأول للآليات والمنتجات البحرية... ولهذا السبب اكتسبت الرّعيةُ عادة طلب زيارة الملك لكي تُصلح شؤونُهم فوراً...

خريف العقل الثائر: بمجرد أن (نجحت) ثوراتُ الشعوب العربية فيما يُسمّى بـ (الربيع العربي)، قامتْ عِصابةٌ من المستخدمين في بلدية أكادير بالاستيلاء على شقق في عمارات بمدينة (آنْزا) بدون موجب قانون أو شرع. وعندما سُئلوا لماذا فعلوا ما فعلوا، قالوا:(هذا حقُّنا أخذناه بيدِنا...) القوّات العمومية قامتْ بدورها وطردت هولاء الطامعين. وأنا أسألهم:(ماذا كنتم ستفعلون لو جاءتكم عصابة بهدف الاستيلاء على مُمتلكاتِكم؟)... الثورة يا ناس لا تعني الفوضى.

تحمّل المسؤولية: من المشاهد السوريالية... بل من المشاهد (الميتاسوريالية) أن تترأس امرأةٌ ساذجة وأمّية وزارة الثقافة لا لشيءٍ سوى أنّها ساندت حزباً رئيسُه صديقٌ للملك... ثم يتِمُّ استبدالُها بشخص ما أعطى لبلدِه شيئاً يُذكر، عدا أنّه يُزكزكُ إلى أيّ بلد أوروبي أو غيره ليُظهر نفسه كمثقف وأديب وفيلسوف، وفوق صلعته باروكة... قُلتُها مراراً وتكرارا:(على كلِّ أصلع أن يتحمّل مسؤولية صلعتِه) وعلى كلِّ أمّية أن تنخرط في دروس محو الأمِّية لمدّة قرن وزيادة لكي تتخلّصَ من أُمِّيتِها... وإذا كان للوزيرات والوزراء شيءٌ من احترام الذات، فيجبُ عليهم أن ينظروا إلى المرآة ويسألوا صورتَهم:(هل أصلح ـ فعلا ـ لكي أكون وزيرا؟)... هذه اللوحة رُسِمتْ بين قرية (ابن جرير) والعاصمتين (البيضاء) و(الرباط).

قدسية الخبر: عن الإعلام الرسمي لن أقول شيئا غير (والو) ومعناها في اللهجة المغربية: لا شيء.

الخطبة: في مدينة (مراكش)، في سنة كذا، استغفرتُ الله، وأفرغتُ ما لديَّ من خمور في البيت، ودخلتُ الحمام، وتوضّأتُ، وشهدت بـ (لا إله إلا الله...) وصلّيتُ.
في جُمعتي الأولى، سمعتُ (الإمام) يتحدّث عن ضرورة التصدّق على الفقراء... وفي نهاية الصلاة، رأيتُ الناسَ يتصدّقون على الفقراء (طبعاً تساءلتُ لماذا لم يكن في صفوفِنا هولاء).
في جُمعتي الثانية التي صادفتْ كلامَ الصحافة عن وجود مليونين من مُحترفي التسوّل والمُكِدّين والشحّاذين، وعن ضرورة عدم تشجيعهم عليه، فماذا رأيت؟ لا أحد أعطى فلساً لشحّاذ.
وفي جُمُعتي الثالثة التي صادفت اعتداء أمريكا على العراق، قال (الإمام):(... يجب مقاطعتهم...) وأنا في الصّف الأمامي، رأيتُ أن العصا التي يخبط بها (الإمام) على أرضية المحراب موسومة بعلامة (ميدْ إين تْشايْنا)، وأن البوق الذي ينفث فيه دعواه عليه علامة (ميْد إينْ تايْوان)، وبأنّ جواربه مكتوبٌ عليها علامة (نايْك)...
في جُمُعتي الرابعة، وجدتُني أعتصرُ العِنب وأرتوي من قصائد الإمام (عمر الخيام).

ضرورة الإصغاء إلى الآخر: كانتِ الشقّة التي اكتراها والدُنا تطِلُّ على حي (لاحونا) بمدينة (سيدي قاسم) وتفصله عن حيّنا سكّةُ القِطار. وكان يحلو لي أن أراقب نشاط سكّانِه بواسطة مِنظارٍ اشتريتُه للرحلات الدراسية الايكولوجية أيّام الجامعة. وذات عشيّة، شاهدتُ شاحنةً تحملُ عُرساً صاخباً فيه طبّالون وزمّارون وراقصات وهدايا العروس. صرختُ:(أناري! دابا يْجي التْران وْ يقتل كُلْ شِي). فجاءَ القِطارُ بالفعل وشتّتَ كلّ شيء. وأنا مع المُسعفين في عين المكان، شاهدتُ ـ عن قُرْبٍ ـ مشهداً لن أنساه حتّى وأنا في القبر: قتلى وأشلاءً وزمّارا ناجياً ما زال ينفخُ في مِزماره من هول الصدمة، ورجُلا بُترت رجلاه ومع ذلك استمرَّ مُمسكاً بقنّينة خمر ويقول لمن حوله:(قلتُ لهم بأن لا يتوقّفوا عند السكّة ولا أحدَ يريد أن يسمع)...

ارحمواْ من في (السماء) يرحمكم مَنْ في (الأرض): لم يكن مديرُ شركة طيران (المغرب) لِصّاً. الرجلُ تصرّف في ملايين الدولارات، واشترى ما شاء ـ بل ما شاء له (القضاءُ والقدر) ـ العديد من العقارات. ولأنّه أبٌ صالحٌ، اشترى لكلّ من أولاده وبناته سيارةً رُباعية الدّفع، ولزوجته وأصهاره ما شاءوا، ودفع للمسؤولين ما شاءواْ... إلى أن أفلست الشركة وجاءواْ به إلى (دار القضاء). وبعد بضعة مداولات، أُطلِق سراحُه، وبُرِّئت ذِمّتُه على أساس القرار القضائي الآتي: (لم يقصِدْ الإفلاس، ولم يكنْ ينوي الاختلاس، وما هو إلاّ رجلٌ أساء التدبير).

الأديبُ الحقُّ شاهِدٌ على زمنِه: (أتركُ للقارئات والقُرّاء المتميّزات والمتميِّزين فرصة مساعدتي على إتمام (اللوحة الميتاسوريالية) التي شرعتُ في رسمِها. كلُّ حسبَ رؤيتَه النقدية البنّاءة. ولماذا لا نجعلها لوحةً حائطية رقمية بعرض مساحة العالم العربي، يشارك فيه جميع الأدباء ممّن اختارواْ منبر (ديوان العرب) للتعبير عن مشاعرهم، ولنشر أعمالهم الأدبية والفكرية والفنّية...)

أخواتي، إخوتي، اعذروني... تعِبتْ.

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى