الأحد ١٧ تموز (يوليو) ٢٠١١
بقلم مصطفى أدمين

دكاكين

قال الطبيب بأنّني مُصابٌ بمرض (التسوّق القهري)، ووصف لي عِلاجاً أساسُه بعضُ (المنوّمات) و(الإضرابُ عن الأسواق العصرية) واستبدالُها بِدَكاكين تقليدية؛ ونصحني بيوم الجمعة لأنَّ فيه... (بركة).

وإنّني أحمد الله لأنّني استعدْتُ صحّتي النفسية وصرتُ أحسن ما يكون (المُواطِن الصالح).

ذهبتُ إلى سوق (الأحد) يوم الجمعة ساعة (الاستفتاح)، وبدأتُ باقتناء نصف كيلوغرامٍ من ((الله يرحم بها الوالدين) مخلوطة بالقليل من (سير الله يجعلها لك في الميزان المقبول)) من دكّان السيّد العربي بن محمد المتخصّص في بيع (التسوُّليات)، بلا غلاء على المسكين؛ فقط بضعة دُريْهمات للكيلوغْرام (من دون التمييز بين المواد).

الغريب في هذا النوع من التبضُّع هو أنَّ (القُفّة) تبقى على حالها ووزنِها.
عند دكّان (الموادّ الجَلْدِية)، وقفتُ منبهراً أمام (حزام تقشّف) مصنوع من جِلْدِ القرود صناعة محلِّية ضاربة في (الإبداع)، بثمن رمزي لا يتعدّى قولي:(شكراً... الله يخلّيكم لينا)، وفي الحين، تمنطقتُ به، فأحسستُ بـ (سعادة لا توصف). ومن نفس الدكان، أخذتُ (للذِّكرى) سوطاً مضفوراً من أمعاءِ (الضِّباع الضالّة) ومزوَّقاً بـنقوشٍ دموية قديمة.

وعندما اشتعلتِ السّوق، وتعالت أصواتُ الباعة، جاءتني فكرة شراء بعض (اللاءات) من دكان يستفرد ببيْع (التنديدات والاستنكارات والتسويفات...) لأنّني كنتُ في حاجة إلى تقديم (لا) في بعض المناسبات؛ لكنّني وجدتُها (لاءات) مضروبة؛ إذْ كانتْ تتحوّل إلى (نعم). غير أن بضاعة (سوف) كانتْ تعمل بشكل (معقول)؛ ولكيْ يجعلَ منّي زبوناً (مدمناً)، نفحني صاحبُ الدكان كهديةٍ، باقةً من (النّعَمات) ملفوفةً في (عريضة استنكارية) تستنكرُ الاستنكار، ودسَّ في جيبي أوقيةً من شعار (هذا عار، هذا عار*** البِلاد في خَطار) جازاه اللهُ خيرا.

السلعة الوحيدة التي كانتْ تزِنُ في (القُفّة) هي (المخدّرات)، وهي لا تتعدّى لتراً من الخمر الرديئة، وحبّتيْن من البرشام الأحمر، وغراماً من الحشيش الأخضر، وأوقيةً من (المعجون) البلدي الحِنّائي. ابْتعْتُها من دُكّان الحاج عيسى بن موسى البوليسي السابق، والذي ساهم بقدر كبير في اقتصاد البلاد؛ ذلك لأنَّ تسويق لتر واحد من الخمر، يحرّك عجلة (الاقتصاد): شرب، سكر، دوخة، فتاة، مزيد من الخمر والدخان والأكل والنقل، زيارة صديق، سكر جديد، تحرّش، قتال، دماء، بوليس، رشوة، صيدلية، محامي، مال...

وتحسُّباً لما لا تُحمدُ عُقباه، اشتريتُ من عند صاحب دكان (القمع) هراوةً نُقِشتْ عليها عِبارةُ (هذا من فضل ربّي). ولكوني شعرتُ بإمكانية أن (أضرب) عدُوّا في بيتي، شريْتُ بضعة (أكاذيب) من دكّان اسمه (الحقيقة)، وبعض (العِصِيّ) من دكّان اسمه (العرقلة)؛ عِصيّ مخروطة لأجل أن توضع في عجلات التطوّر والحقيقة، لأجل (راحة الشعب... شاء أم أبى).

ولمّا كانت (العصا) تتنقّل بـ (حُرِّية) من ظهر إلى ظهر، اضطررتُ إلى شراء (بردعة) من دكان يبيع (مستلزمات الحمير) حِفاظاً على صحّتي، لكنّني لم أحصِّل على (بردعتي) إلاّ بعض صراع وقتال، لأنَّ عدَدَ مُقتني (البردعات الوقائية) كبير جدّا، و(المادّة) غير متوفّرة بالقدر الكافي...

من دكّان السِّلع البلاستيكية (الميكا)، شَريْتُ بعض التُّحَف: (أُذن ميكا) من النوع الذي يستعمله بعض (المسؤولين)، و(عين ميكا) كالذي عند بعض (المثقفين)، وألبسةً من ميكا. ومن نفس الدكان (؟!)، قلباً من حجر، ولساناً من خشب، ودموعاً من دم، وصداقة من زجاج، و(سنواتٍ من رصاص)، و(قبضةً من حديد)، و(مواقف من زئبق)، و(وعوداً من دخان)، و(شخصيات من قشّ)، و(سيوفاً من كرتون)، و(عبادات من نفاق)، و(أُخُوَّة من شِقاق)...

الدكان الوحيد الذي يبيع سلعتَه بثمن باهِض هو دكان (الهزائم)، لأنّ ظُفراً منها يتطلّبُ (الثمن الفلاني)، وهو الدكان الذي تجمهر أمامه العديد من (المدربيين الرياضيين) وبعض (الساسة الانهزاميين).

ومنه إلى دكان (القُمار المشروع): ملف (قرعة الحجّ) (؟!)، ورقة حظّ في يناصيب خاسرة، طوطوفوت كُروية خاسرة أيضاً، إيس ـ إيم ـ إيسْ خاسر في مسابقة تلفزيونية بليدة يديرها (مُحتقر للطبقات الشعبية)، و(عدوّة انحرفتْ من عالم السينما إلى عالم الابتزاز الكريه). ومنه؛ ربحٌ/خسارةٌ في قناني المشروبات الغازية المريضة، ومكعّبات اللذة، وهلمّ (جرجرة) في عالم (الإشهار الكاذب)...

في سوق الخردة اللصيق بسوق (الأحد)، تكدّستْ أكوامٌ من (الرؤساء المخلوعين)، والعديد من المشاريع الفاشلة، والمقررات الدراسية المضروبة، والقوانين (الديموقراطية) المُجمّدة، والوزراء المثقلين بالدهون البقرية، والوزراء المثقلين بـ (ذنوب الناس)، والوزيرات غير الصالحات، ولصوص المال العام المُعفى عنهم، وعُمداء حقراء... والثمنُ لا شيء للذي يريد ابتياعَ (قِرْدٍ أو قِردَة)...

ثم إلى دكان (الأصوات) بالمجّان الذي منه ابتعتُ خمسةً وثلاثين مليوناً من (باعْ)، ومثلُها من (هاوْ هاوْ)، ومثلُها من (آهّا أهّا أهّا...)، وبضعة كيلوغرمات (غير وازنة) من الغُثاء، والخُوار، والقوقأة ، والضبيح، والفحيح، والنقيق... وطُنّاً من (حبّة السكوت)، وشريطاً مطوّلاً من أغاني (قولواْ العام زين)،

بعد التسوّق من (سوق المُحال)، لا بُدَّ من (الاغتسال). ولأجل (التطهير والتطهير العَرقي...)، دخلتُ مغْسلاً عمومياً لا مثيل له، وفيه غسلتُ دماغي بنفسي وبدون ماء أو صابون إلاّ بترديدي قول الشاعر:(ما شئْتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ/ فاحكمْ فأنتَ الواحدُ القهّار)... ومنه رأساً إلى بيتي، وأنا مفعمٌ بـ (الشّقادة) أيّ بذلك الإحساس الذي لا يُحِسُّه إلا الذين (هم) في مثل حالي من السعادة الممزوجة بالشقاء.

وإنّني أحمد الله لأنّني استعدْتُ صحّتي النفسية وصرتُ أحسن ما يكون (المُواطِن الصالح).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى