الثلاثاء ٩ آب (أغسطس) ٢٠١١
بقلم هشام بن الشاوي

الرواية المغربية المعاصرة

«مصر تكتب ولبنان يطبع والمغرب يقرأ»، عبارة ترددت كثيرًا على صفحات الملاحق الثقافية للصحف المغربية في أواخر ثمانينات القرن الماضي، في إشارة إلى احتكار المشرق العربي للريادة الثقافية، حيث كانت الرواية مصرية بامتياز، والشعر عراقيا أو فلسطينيا.. وبفضل التحولات السوسيوثقافية، الاقتصادية والسياسية العميقة، التي شهدتها المجتمعات العربية، بدأت بعض الأطراف تفرض وجودها على خارطة الإبداع، سارقة شعلة التميز من المركز؛ وهكذا، صار بإمكان دارس الأدب الحديث عن رواية لبنانية أو سورية مثلا...

في مغرب التسعينات، برزت عدة أصوات روائية جديدة، مغربية الملامح والخصوصية، كامتداد لجيل المؤسسين، وإن لم يحظ الإبداع المغربي - بصفة عامة - بنفس المكانة، التي يتمتع بها النقد الأدبي المغربي في المشهد الأدبي العربي. وفي الألفية الجديدة، تزايد عدد الروائيين، حتى صار من الصعب متابعتهم نقديا، وساهم الروائيون الجدد مع الأساتذة محمد برادة، مبارك ربيع، أحمد المديني، محمد عزالدين التازي، الميلودي شغموم وغيرهم في رفد التجربة الروائية الجديدة في المغرب. وعبر تراكم نوعي استطاع أن يخلخل مفاهيم الواقع ويطرح أسئلة الذات والمجتمع، ولجأ أغلب الروائيين إلى التجريب كاختيار جمالي وأيديولوجي للتعبير عن مغرب التحولات، العميقة وسريعة الإيقاع. وقد ساهم تنوع الخلفيات الاجتماعية والثقافية، وتباين أعمار الروائيين في إثراء مسروداتهم، وتعدد اللغات والمنظورات، الفضاءات والثيمات..

هكذا، لم تعد الرواية في المغرب حكرا على بعض الروائيين، بل صار يكتبها دارس القانون، الطب، الهندسة، الفلسفة، التاريخ، والقادمون من الإعلام، الشعر، القصة القصيرة، وحتى من بعض الحرف اليدوية، وصرنا نقرأ عن مواضيع لأول مرة يكتب عنها، كالهجرة السرية والتطرف الديني.. ولم يعد الروائي المغربي أسير عقدة المشرق، وإن كان القارئ المغربي - والعربي عموما- يميل إلى الرواية المشرقية والعالمية، لأن بعض الروايات المغربية - من منظوره- تغالي في التجريب وتفتقد إلى الحكاية، علما أن هذا القارئ لا يهمه في الأساس سوى متعة الحكي.

نعترف بقصورنا الفادح وإغفالنا للكثير من الأسئلة المؤرقة في هذا الملف، فبمجرد ذكر الرواية المغربية، ستنفتح أمامنا الكثير من الأبواب/ المتاهات، التي يمكن أن نلجها للإلمام بفسيفساء المشهد الروائي بالمغرب. قد يقول قائل : كان بالإمكان مقاربة ملامح الرواية النسوية في المغرب، أو هوية الرواية، التي يكتبها مغاربة باللغة الفرنسية أو الإسبانية أو الهولندية، أو على الأقل، معالجة التلاقح الأجناسي ومدى استفادة الرواية من باقي الأشكال التعبيرية كالمسرح، السينما والشعر، أو استلهام الرواية للفلسفة/ التاريخ/ التراث/ الأسطورة، أو إشكالية الرواية والسيرة الذاتية/ التخييل الذاتي، أو الرواية والمذكرات/ أدب السجون، وهذه الأخيرة حققت مقروئية جيدة، في مستهل الألفية الثالثة، مع اتساع هامش الحرية، وإن جنحت أغلب كتب المعتقلين السابقين وضحايا سنوات الرصاص إلى المذكرات، وافتقدت الجماليات الروائية...

إنه مأزق فعلا، ستجد نفسك كمن يمشي في حقل من الألغام... أسئلة كثيرة ستتفجر أمامك، ولن تكفي كل صفحات المجلة للإلمام بملامح الرواية المغربية وانشغالاتها، وبكل ألوان طيف المشهد الروائي بالمغرب. الحيز هنا لا يتسع سوى لأن نسكب قطرة ضوء.. من منظور سؤال التلقي والوعي الجمالي بالكتابة.


مقدمة الملف المنشور بالعدد السابع من مجلة "سيسرا" السعودية، الصادرة عن أدبي الجوف.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى