السبت ٣٠ تموز (يوليو) ٢٠١١
فدوى طوقان في ضيافة
بقلم شاكر فريد حسن

الشاعر اليافاوي جميل دحلان

كانت الشاعرة الفلسطينية الكبيرة فدوى طوقان زارت في السبعينات من القرن الماضي يافا، مدينة البرتقال الحزين وعاصمة الثقافة الفلسطينية ومركز الاشعاع الأدبي والثقافي والصحفي الفلسطيني ابان فترة الانتداب. هذه المدينة التاريخية العريقة، التي قال فيها الشاعر الفلسطيني شفيق حبيب:

يافا عشقتك روعة وجمالاُ
وعشقت بحرك عاصفاً زلزالاً
يافا، عروس البحر صامدة على
مر العصور، تصارع الاهوالا
اهلوك اهلي، نحن شعب واحد
ودم العروبة نابض اشمالا

وفي يافا حلت فدوى ضيفة على بيت الشاعر جميل دحلان، وهو شاعر غنائي ناعم ورقيق عرف بأشعاره الوجدانية والغزلية والانسانية والوطنية وله ديوان شعر بعنوان "الطريق الى القلوب". وفي بيته العامر المطل على بحر يافا وشاطئها الساحر الخلاّب، استقبلت بحفاوة وحرارة وترحاب خاص.

وقد دار بين طوقان ودحلان حديث طويل ومتشعب حول امور وقضايا ادبية وثقافية وشؤون حياتية وخاصة، وفي اثناء اللقاء قال دحلان: ما رأيك يا آنسة فدوى بحديث معك اسجله على شريط للذكرى؟.

فردت عليه طوقان بالقول: لو تسجل لي قصائد فقط!!.

فقال: كما تحبين، والتسجيل يقوم بدوره، ولكن بعد الحديث اذا سمحت.

وتم تسجيل الحديث على الجهاز، وشاءت الاقدار ان ازور الصديق الشاعر جميل دحلان، الذي ربطتني به علاقة صداقة ودية، رغم فارق السن بيننا، حيث اسمعني نص الحديث الذي تفضلت به شاعرتنا الرائعة فدوى طوقان. وقام دحلان فيما بعد بنشره في مجلة "صدى التربية" في عددها الصادر بتاريخ 31/10/1980.، ومما جاء فيه: " ولدت في مدينة نابلس، وكان ترتيبي السابع بين عشرة اخوة وأخوات. درست في مدارس نابلس. وقد لمس أخي ـ الشاعر المرحوم ابراهيم طوقان ـ فيّ الميل الفطري للشعر.. فتعهدني، وكان يعطيني دروساً بالنسبة للعروض ويوجهني. وبالمناسبة لم يكن أحد يؤمن لا في البيت عندنا ولا في الخارج أنني في يوم من الايام سأوفق في النظم لان الشعر ليس بالشيء السهل والبسيط. لم يكن أحد يؤمن بي سوى أخي ابراهيم وأنا.. وكان عندي إيمان كبير وقوي في نفسي.. وأخذت أسير وأدرس وأحاول كتابة الشعر.. وطبعاً كنت أتعثر.. ثم أكتب جيداً وأصبحت عندي ثقة اكبر بنفسي.

كنت أنظم القصائد وارسل بها الى النشر دون ان أعرضها على أخي، فيتفاجأ بها منشورة في الصحف، ويسعد ويسرّ كثيراً.. والغريب ان القراء كانوا دائماً يظنون أن أخي ابراهيم هو الذي كان يكتب هذه القصائد وأنا أضع اسمي فقط تحت القصيدة. حتى ان واحداً سألني مرة: "شو صار يا فدوى! فات وقت طويل لم نقرأ لك.. ولا ابراهيم مش فاضي يكتب لك؟".

واستطردت فدوى تقول: ثم بعد ان مات ابراهيم أحسست أنني فقدت كل شيء في الدنيا. كان هو كل شيء بالنسبة لي.. وبدأت اكتب المراثي في ابراهيم.. وأذكر جيداً ان أول قصيدة نظمتها مرتبة فيه حين انتهيت من نظمها وبحالة شعورية قلت: آه.. يجب ان أريها لابراهيم وكم فوجئت وتأثرت الى حد كبير جداً.

واسترسلت فدوى في حديثها: سافرت الى الخارج ودرست الادب الانجليزي في لندن.. وشاركت في عدة مؤتمرات دولية.. وزرت كثيراً من مدن العالم وجميع البلاد العربية.

ثم قامت طوقان برفقة دحلان بجولة في ربوع ورحاب مدينة يافا، وزارت المعالم الاثرية والتاريخية، وكانت لهما وقفة عند شاطئ البحر، فقال لها: يا آنسة فدوى.. ماذا تقولين؟
فأجابت وفي صوتها بحة: ليس عندي الآن ما اقول.

وفي ختام الزيارة ودعت فدوى طوقان مضيفها على أمل اللقاء.. ولكن!. وبقيت ذكرى هذا اللقاء عالقة في الذهن والذاكرة الحية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى