الأحد ٧ آب (أغسطس) ٢٠١١
بقلم مصطفى أدمين

شجرة الأطفال

لقد ماتوا جميعا. أم أنّهم كبروا؟ عجبا أن تموت الطفولةُ بسرعة! أذكر أنّني كنتُ مثلهم أعتقد أن العالم هو مراكش، وأن ملك الدنيا هو الحسن الثاني، وأنّ الله يسكُنُ فوق السحاب في سماء بعيدة.

سؤالٌ حيّرني طيلة حياتي الطِّفلية: لماذا يقولون (اعمل في صِغرك، تستريح في كبرك)؟ وأنا مرتاح في صغري. أبي هو من يعمل. يأتي عشية كل يوم، فنعترضُه أنا وإخوتي العشرة. نقبِّل يدَه المتعرِّقة، ثم نقلِّبُ قِراب درّاجتِه النارية.
لم يموتوا، إنّهم كبروا فقط. بل ماتواْ.

الشجرة الميتة التي كانوا يتعلّقون بأغصانها اجتُثتْ. والساحة التي كانتْ مقبرتَها بُنيتْ. جاء العُمران، وجاء الخراب. عمارة على أنقاض مقبرة. والطفولة صارت رميما.

أحدُهم كان يتمسّك بأحد فروعها وقتا طويلا، وعندما يتعب، يُسقِطُ نفسَه ويقول:(الحمد لله، لقد نضجتُ).
وآخر كان مثل قرد طيّار ينطُّ من فرع إلى آخر. وذات صبيحة أمسى كسيحا.

(حياة) هي الأخرى سقطت من (شجرة الأطفال)، لا من تعب أو شقاوة؛ سقطتْ فقط لأنّ ثدييها صارا ثقيلين.
رأيتُ (حياة) ذات ليلة في الساحرة مراكش؛ كانتْ مع نصراني في عمر جدّها.

في قلب (شجرة الأطفال) جُرْحٌ سبَّبَه حَرْقٌ قديم. وفيه تسرّبَ (عبد الله). لم يمُتْ. في ذاك الاختناق، صار كبيرا بشكل مفاجئ، واستحال إلى مجرم؛ سرق بنكاً، وقتل زوجة، وحرق بناية...

عند سنخ تلك الشجرة، زارتني (أمال) الطفلة البورجوازية الجميلة. فرحت. لكنّها ما جاءت إلا لكي أحميها من ولد شقيٍّ كان يعترضُ طريقها إلى مدرسة (لالا مريم).
ـ لماذا أنا؟ سألتُها، فردّتْ:
ـ الجميع يهابُك. قالتْ.
لا! لم أشعر بأيّ فخر. شعرتُ بالاحتقار. فتبدّلتُ عليها، ومنذ ذلك الحين صرتُ (أنا) مُعذِّبَها. لكنّها ماتتْ... في الزواج.
ماتت الشجرة؛ ليس من الموت، بل بسبب إقدام الطفلة (نجاة) على شنق نفسِها. قالوا إنّها فاسدة. وهي طفلة.

فجاء البوليس وجاءت الصحافة وجمعيات المجتمع المدني. فحكموا عليها بالاجتثاث. ولم يحكموا على الشخص الذي أفسدَها.

شجرة الأطفال ما زالتْ عالقة في ذاكرتي. لكنّني أراها مورقة. ومنها أنظر الآن (وأنا قاب قوسين أو أدنى من الحفرة الأبدية) إلى أطفال العالم...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى