الأحد ٢٨ آب (أغسطس) ٢٠١١
بقلم عبد القادر سلامي

الكَمْيَان أو «الكميُ» بدل التدخين

*تقديم:

تسعى هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على مصطلح "الكَمْيَان"و منه"الكَمْي" الذي أصبح مألوفاً لذا العامّة قبل الخاصّة للتدليل على ممارسة شائعة في المجتمعات كلّها هي""التدخين"أو (fumer) الفرنسية،دون أن يأخذ في الحسبان ما يعكس الضَرَر الحقيقي الذي يحدّق بمتعاطي التّبغ،الإيجابي والسّلبي، على النّحو الذي يعكسه "الكَمْيان",أو"الكَمْي"،والتي انزوت في ركن سحيق من المعجم العربي الفصيح لأسباب نتبيّن واقيتها اللغوية في الدراسة الموالية:

-من التدخين إلى الكَمْيان أو الكَمْي:

للتدخين في اللغة الفرنسية معان منها:تخصيب الأرض الفلاحية بالسماد قصد تحسين مردودها، وتناثر الدُّخَان في الهواء نتيجة احتراق الحطب أو التبغ، أو غيرهما.(1)

أمّا ما يقابل الاسم والفعل في حاضر لغة العرب،فالسائد منه هوالدُّخَانُ:"يتصاعدُ عن النّار من دقائق الوقود غير المحترقة وبمعنى"التَّبْغ"، و" التدخين" تفعيل لذلك.وعلى هذا فـ"دخَّنَ التَّبْغَ":أحرَقَهُ متعاطياً إيّاه"و"دخَّن على الشَّجر أو علىالثَّوْب:طهَّرَهُ ببَخُور خاصّ ليقتُلَ ما به من الآفات".وهو مما أقرّه مجمع اللغة العربية بالقاهرة.(2)

فعلى أيّ أساس تمَّ له ذلك؟ونحن نعلم أن القياس يستلزم وجود لغة حديثة مقيسة على لغة قديمة من باب موازنة كلمات بكلمات أو صيغ بصيغ أو استعمال باستعمال أو معنى بمعنى(3)؛ قياس لا يتمّ إلاّ بطريقة منطقية كونه يساعدنا على صياغة ألفاظ جديدة و اشتقاقات قد تكون شائعة في اللغة القديمة،وقد تكون نادرة فيها أو قد تكون غير موجودة إطلاقاً فما بالك والمعاني بعدُ ليست قائمة إلاّ على سبيل التوهّم؟ والإنسان لا يقوم مقامَ النَّار بأيّ حال من الأحوال. ففي المعجم العربي ما يدلّ على أنَّ الدُّخَان:"ما يكون عن الوقُود.يُقالُ:دَخَنَت النَّار تدخُنُ ودخَّنَتْ وادَّخَنَتْ: إذا ارتفع دُخَانُها،ودَخِنَتْ تَدْخَنُ:إذا ألْقَيَ عليها حَطَبٌ فأُفْسِدَتْ حتَّى يَهيج لذلك دُخاَنٌ. ويُقالُ دَخَنَ الغُبَارُ:ارتَفَعَ.والدُّخْنَةُ من الألْوان:كُدْرَةٌ في سَواد.والدُّخْنَةُ: بَخُورٌ يدخَّنُ به البَيْت." (4)

فالدّخان يكون عن نار وقودها الحَطب أو البَخْورِ أوالتَّبْغ الذي يستحيل،على اعتبار ما سيؤول إليه،دُخاَناً يُكْمى(يُسْتَرُ) في الصّدر وما احتزمَ عليه، فيهيجُ،ثمَّ يَُخرَُجُ جلُّه أو جزءاً منه بالطريقة المعهودة عند مُتعاطي التَّبغ؛ولا بأس بعد ذلك أن يُطلَق الدُّخانُ على التَّبغ على سبيل المجاز ووفق المآل، وهو ما لا ننكره على الخاصّة والعامّة.

من ذلك لفظ" كَمَى" الذي نعدُّ ه وجهاً صالحاً من وجوه المقابلات الموضوعية لما في (عملية التدخين) بمفهومها الحديث.فهو في أصل الوضع" يَدلُّ على خَفَاءِ شَيءٍ.من ذلك: كَمَى فُلانٌ الشّهادة:إذا كَتَمَها...ولذلك سمِّيَ الشُّجاعُ: الكمِيُّ.قالوا:هو يتَكَمَّى في سلاحه، أي: يتَغَطَّى به.يقالُ: تكَمَّتِ الفِتْنَةُ النَّاسَ: إذا غَشِيَتْهُم."(5)

والجدير بالذكر أنَّ عامّة أهل المغرب العربي لا زالوا يصرُّون على الفعل" كَمى" في مقابل( دَخَّن) و"المصدر"الكَمْيَان" في مقابل (التدخين) وكأنّه من(باب ما تنكره الخاصّة على العامّة وليس بمنكر).(6)

فإذا كانت مادة "كَمَى" ومنها"الكَمْيان"ما زالت تحظى بمثل هذا التداول،وقد انحسر مداها في الدلالة على كتمان السرّ والشهادة الذي كانت تضطلع به جنباً إلى مع مادة"كتَم" (7) فما أحوجنا اليوم إلى دلالتها المحسوسة التي انزوت في ركنٍ صغيرٍ من أركان الدلالة الأصلية،وعثرنا عليها في بعض النصوص القديمة في صورة اللفظ نفسه أو بعض مشتقّاته،وارتكزنا فيه أساساً على مبدأ التوسُّع في قبول ما نطقت به العامّة وكان جارياً على لهجة عربية معروفة (8)، تتّصل بالفصحى بأكثر من سبب،وينتظر الإقرار الطّوعي من المجتمع العربي في مشرقه بعد أن لقيَه في مغربه.

*خلاصة:

بعيداً عن التشكيك في قدرة المجامع اللغوية العربية،ومنها مجمع اللغة العربية بالقاهرة الذي نشهد له بالرّيادة،على عقد الصّلة بين موروث الخلَف والسّلف من الألفاظ الكفيلة بسدّ النقص المصطلحي الحاصل في لغة العرب في مقابل ما يفد علينا من مصطلحات أجنبية وممارسات تنحسب علينا تبعاتها.بعيداً عن كلّ ذلك فإننا نهيب بهذه المجامع أن تداوم التنقيب والتنقير في كتب اللغة ومعاجمها بحثاً عن مقابلات موضوعية تغنينا عن اللّهث وراء العديد من الترجمات على النحو الذي حظيت بها كلمة"المَنَامَة" في مقابل كلمة التي عملت بعض المجامع اللغوية جاهدة على ترجمتها دون أن تلقى أيّ من الترجمات المقترحة القبول.(9) والمصطلح في تراث العرب يحمل أسباب انبعاثه.


مشاركة منتدى

  • يبدو أن استعمال المصطلح سيدي الدكتور و طريقة ترجمته من مصدره الاجنبي تمت بطريقة عشوائية فردية، بحيث يقترح كل باحث بشكل فردي قائمة المصطلحات دون أن يعتمد في ذلك طريقة علمية مدروسة، معتمداً حدسه الشخصي والرجوع إلى المعجمات اللغوية، التي لا تقدم إليه سوى جانب لغوي محض من الكلمة، ذلك أن "المصطلحات العلمية تتحدد دلالتها وعباراتها في إطار نظرية متكاملة. كما يرى الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح أن مشكلة وضع المصطلح اللساني وغيره من الأعمال الخاصة بتكييف اللغة وإثرائها تكمن في أمور ثلاثة: هي -اعتباطية العمل عند الكثير من اللغويين، أي عدم خضوعه لضوابط علمية، -وحرفيته، أي اقتصاره على البحوث الفردية التي هي أشبه شيء بالصناعات التقليدية، -وعدم شموليته بعدم الرجوع إلى كل المصادر العربية التي يمكن الاستقاء منها. بحثك أنيق و جهد يستحق التشجيع و التفاتة جادة عهدناك هكذا استادى الفاضل الدكتور سلامي عبد القادر مبحر في الدلالة و السيمانتيك .شكرا للدراسة القيمة .تلميذك أحمد دحماني جامعة سيدي بلعباس كلية الاداب

  • سلام الله عليك وتحية عطرةالأستاذ أحمد دحماني الفاضل
    شكراً مرورك الطيب و تقديمك المسهب حول الوضع المصطلحي في الوطن العربي/ شاكراً لك إطراءك السخي وتواضعك الجمّ، معتذراً عن التأير الكبير في الردّ .
    المخلص: د. عبد القادر سلاّمي
    جامعة تلمسان

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى