الأحد ١١ أيلول (سبتمبر) ٢٠١١
بقلم زياد يوسف صيدم

زيد أبو العلا «أبو حنين»

كانت " وادي حُنيْن " إحدى رواياته التي فاقت العشرين رواية وقصة أدبية.. وقعها لي في مكتبه المجاور لمكتبي في وزارة التخطيط والتعاون الدولي قبل أن تنفصلان لتصبحا وزارتين مستقلتين..كان يشغل فيها مديرا عاما للشئون المالية والإدارية والرقابة العامة ..ثم مسئولا عن دائرة إفريقيا واسيا قبل مغادرته إلى أدس أبابا سفيرا لفلسطين هناك..

كان صديقا ودودا مع الجميع ..دمث الخلق، طيب المعشر، يخدم من يلجا إليه بما يستطيع.. فلا يتردد أبدا وقد كنت شاهدا على كثير من تلك المكارم .. كانت سيجارته لا تفارق شفتيه فقلت له ذات صباح: يا أبا حنين تدخن كثيرا فارأف بصحتك فيبتسم ويشير إلى سيجارة بين أصابعي متسائلا : وما هذه التي تنفث دخانها..فنضحك ويضحك الجميع في مكتبه العامر كل صباح قبل أن تمضى النصف ساعة المخصصة لفنجان القهوة الصباحي أو لمن يريد تناول فطوره...

انه فدائي قديم .. من الرعيل الأول ولد في مدينة شفا عمرو عام 1944 وبعد النكبة هاجر إلى سوريا وانضم إلى حركة فتح وجناحها العسكري " العاصفة " منذ البدايات في العام 1965 .. حيث ترعرع بين صفوف الفدائيين في كل الساحات الممتدة من الأردن إلى لبنان وشارك في معارك الدفاع عن الثورة والشعب..وبتقدم العمر .. ركن البندقية جانبا تاركا الحياة العسكرية لأجيال الفتح المتعاقبة.. ليحمل سلاحا لا يقل خطورة وأهمية فهو صاحب قلم وفكر وثقافة وإبداع لأنه الأديب والروائي بامتياز..

وذات مرة كنت مازحا معه فتساءلت إن كان بمقدور الفدائي أن يترك سلاحه بسهولة فعلمت بان مسدسه ما يزال في بيته لأنه عنوان مرحلة في شبابه لا يمكن القفز عليها..فابتسمت قائلا له: إذا يا صديقي انتظر هدية منى .. ومرت شهور على هذا الوعد الذي بقى غامضا ومبهما حتى نسى الرجل الأمر ولم يعد يعلق على هذه الهدية الخاصة التي وعدته بها...

قبل سفره إلى أثيوبيا اجتمعت مع صديق ثالث برفقته لوداعه وقلت له مازحا: ننتظر دعوة رسمية لزيارة أثيوبيا لرؤية غاباتها فاخذ الموضوع جدا حتى جاءني الصديق ذات يوم يعلمني بان أبو حنين أرسل بفاكس ويذكرنا إن كنا حقا نريد القدوم ليرتب الأمر لنا بالزيارة ..فنظرت للصديق وتفرست عينيه وإذا بنا نقول بصوت واحد " والله ممكن نعملها ونروح " واتفقنا للقاء لاحقا لتأكيد الرسالة وقد أخذنا الأمر بجدية..لكن الأحداث التي اندلعت في قطاع غزة والتي أسفرت عن انقسام بغيض ما تزال آثاره السلبية إلى اليوم حالت دون تلك الرحلة ...

تذكرت الآن باني وقبل مغادرتي للمبنى المشترك حيث انفصلنا كوزارة مستقلة للتخطيط وأصبح هو في وزارة الخارجية الفلسطينية قبل بداية الألفية الثانية وقبل أن يصبح سفير فلسطين في شرق إفريقيا ..مررت على مكتبه كالعادة الصباحية ولم اشرب القهوة في ذاك الصباح حيث كانت لدى مأمورية عمل واجتماع في وزارة الحكم المحلى ..لكنى تركت له هدية كنت قد وعدته بها منذ شهور طويلة..كانت علبة " لاقور" ذخيرة لمسدسه عيار 9 ملم أمريكية الصنع!!.. وفى لقائي به لاحقا كانت ابتسامته تدل عل رضي وغبطة فقال :هذا كثير.. فأجبته: عندي منها الكثير يا عزيزي وأنت الفدائي القديم فلابد وان يبقى مسدسك مدخرا كما هو قلمك وفكرك الناصع والمتألق.

واليوم وبعد مرور أكثر من اثني عشرة سنة لآخر مرة رأيته فيها.. أتصفح الأخبار على الشبكة وإذا بنعي الرئيس أبو مازن مناضلا ودبلوماسيا فذا ..أقرأ الاسم لأجده الصديق الرائع زيد أبو العلا وقد رحل في مخيم اليرموك بسوريا بعد أن وصلها قادما من رام الله بعد أن ترك سفارة أثيوبيا لأسباب صحية وقد وافته المنية هناك.. رحمك الله أبا حنين وأسكنك فسيح جنانك..وألهم ذويك وابنتك حنين الصبر والسلوان.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى