الثلاثاء ٢٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠١١
بقلم فراس حج محمد

قراءة في ديوان «مصر تولد من جديد»

احتلت هذه الجملة "مصر تولد من جديد" عنوان الإصدار السابع والخمسين بعد الخمسمائة من سلسلة إصدارات كتاب اليوم، التي تتولى دار أخبار اليوم المصرية إصداره، وهو ديوان شعر للشاعر المصري د. أحمد تيمور*، يحتفي به بالثورة المصرية، ثورة الخامس والعشرين من شهر يناير، وفي المقدمة التي كتبتها نوال مصطفى رئيس التحرير تؤكد أنه "فعلا مصر تولد من جديد، لكنها ولادة قيصرية، لم تكتمل بعد، نريدها مصر جديدة، شابة، حيوية، نشيطة، عاملة، منتجة" (الديوان، ص5)، فتحيل هذه العبارات على أفق من التوقع يتطلع إليه المصريون والعرب والعالم أجمع لمصر التي هي "أم الدنيا"، وليس في الأمر مبالغة فمصر "أرض الكنانة" كان لها دائما أثر كبير في السياسة الدولية والإقليمية، والصراعات السياسية والعسكرية قديما وحديثا تشهد على أهمية مصر الإستراتيجية، وأثرها في المسرح الدولي.

يقع الديوان في (166) صفحة من القطع الصغير، ويتألف من (14) قصيدة غلب عليها النفس السياسي المباشر، مما جعلها فعلا نموذجا للشعر السياسي التي تفوح منه في الغالب رائحة الشعارات السياسية الواقعية، والتي يعج بها الشارع العربي، وخاصة الشارع المصري، وجاءت لغة تلك القصائد سهلة واضحة، وبعيدة عن الغموض، ويسطر عليها النفس الثوري الرومانسي، الذي لا ينجو غالبا من مبالغة واضحة في التوقع أو المدح، وذلك شاخص بشكل جلي في قصيدة وجهها الشاعر لرئيس الوزراء د. عصام شرف الذي توجه لميدان التحرير فاستمد شرعيته الثورية من الناس هناك وارتضوه رئيسا للوزراء بعد سلسلة من التعيينات لسابقيه واستقالاتهم، ولذا نجد أن أحمد تيمور قد أسبغ عليه صفات أسطورية متوقعا منه الكثير:

يا هذا الرجل المغزول من الضوء
الأخذ ليل الناس
إلى ساحات الشمسِ
الحامل حلمهم الجمعيّ
إلى منطقة التفسيرِ (الديوان، ص85-86)

إن الشاعر تيمور يتوقع من رئيس الوزراء الكثير والكثير، يتوقع منه التغيير الحقيقي، والتعمير، ومحاربة الفساد، وإعادة الأمن، وتطبيق القانون سريعا دون اللجوء إلى تشكيل لجان أو سن التشريعات والقوانين، فوضع الناس لا يحتمل التأجيل، فالأوضاع المزرية تحتم القرارات السريعة، وقد جعل الشاعر من لسان الأمة قانونا ومن الإجماع الشعبي دستورا:

ولا زلت وأنت رئيس الوزراء
على نفس الأرصفة تسير
تسمع وتدون
وتناقش وتكون رأيا
وتنفذه في الحال
فلا وقت لديك للجنة بتٍّ
أو رفع تقارير
...........
..........
القانون لديك لسان الأمة
والإجماع الشعبي هو الدستور (الديوان، ص91).

وباستعراض سريع لقصائد الديوان يتبين للقارئ صورتان متضادتان لمصر؛ مصر ما قبل الثورة، حيث الفساد بكل أشكاله، والظلم والتردي والبؤس السياسي والاجتماعي، إذ الصورة قاتمة جدا، يقابلها صورة متوقعة مشرقة بهية لمصر ما بعد الثورة، حيث الحريةُ والعدالة والعيش الكريم والاستقلال السياسي والقرارات السياسية التي تحفظ أمن الوطن من أعدائه الخارجيين.

ويحاول الشاعر في الديوان العرض المباشرة لكل الأفكار التي ترددَ صداها على الساحة المصرية، بدءا من لحظة انطلاق الثورة المصرية بتاريخ 25/1/2011، وبيّن كيف أن تلك الثورة أشغلت الرأي العام العربي والعالمي على حد سواء:

والأبراج الفلكية
أوقفت الناموس الدهري الدائر
لتطالع ما يحدث فوق الخارطة المصرية
بحماس آسر
راحت كل الدنيا تشهد أم الدنيا
وهي تغير هيئتها
وتعود إلى بثٍّ للمجد مباشر (الديوان، ص25-26).

وبطبيعة الحال لا ينسى الشاعر الثوار المتجمهرين في ميدان التحرير، فقد أسبغ عليهم وافر الصفات وجميل الكلمات، فهم "البركان"، و"الزلزال"، و"الأنواء" "آتون كالإعصار"، "أبابيل" لهم فعل الطهارة من دنس مرحلة مُرّة، اتسخ فيها الشعب، فجاء الثوار ليزيلوا تلك الأتربة عن جسد الأمة المصرية:

نحن اكتسينا بالتراب
فنفضونا
واتسخنا
نظفونا جيدا
لا يرفض التنظيف غير الميتين
ونحن ما زلنا على قيد الوجود (الديوان، ص12-13).

ويختتم الشاعر قصيدته بما يوحي بتحقيق أمل الثوار والمصريين جميعا، فهم في وقفتهم في ميدان التحرير كوقفة الحجاج في عرفات، ليعقب ذلك الوقوف هلال العيد:

أنتم أتيتم مصركم في عز موسمها
أتيتم كالهلال علامة
لا يتبع الوقفات إلا يوم عيد (الديوان، ص22)

وتحظى القوات المسلحة المصرية بقصيدة يمجد فيها دور تلك القوات في حفظ أمن الوطن والمواطن، وخاصة الثوار، ويشيد بموقفها في دعم الثورة والثوار ضد البلطجية، الذين كانوا يحاولون التخريب على المتجمهرين، ويُظهر الشاعر وحدة الثوار والجيش، وقد حمت "القوات المسلحة" ظهور الشباب من رماة الغدر المتربصين بهم:

قواتنا المسلحة
حمت ظهور أشجع الشبان
في مداخل الميدان
من هجوم لابسي الأكفان
من هجوم الأضرحة (الديوان، ص96).

ويتغنى الشاعر بتاريخ مصر الحافل بالبطولات وبمنجزات الحضارات المتعاقبة على أرضها، وتقوم الشواهد التاريخية دليلا على عظمة تلك المنجزات الممتدة في روح التاريخ من لدن الفراعنة مشيدي الأهرامات، إلى محطات مشرقة من تاريخ مصر الحديث، وخاصة عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وحرب أكتوبر التي وقعت في 6/10/1973، معتذرا عن هزيمة عام 1967، التي جعلت الشعب والدولة والقوات المسلحة تدرك ثأرها في حرب أكتوبر:

لكن السادس من أكتوبر
يتفق مع العاشر من رمضان
على عيد ميلاديِّ التقويم
وهجري (الديوان، ص163).

ويتجاوز الشاعر كل مرحلة نظام مبارك بسنواتها التي نافت عن ثلاثين سنة، ليتحدث عن الثورة والثوار باعتبارها حدثا مصريا وإبداعا شعبيا بامتياز:

عيد الخامس والعشرين لشهر يناير
فيه أراكِ
عروس الحلم مستلقية ببالي
والساكنة بقلبي
والمغلقة على ياقوتته
صندوق الصدرِ (الديوان، ص164).

وعلى وقع ذلك كله، يؤكد الشاعر المصري الثائر د. أحمد تيمور وحدة الشعب المصري بتنويعتيْه القبطية والإسلامية، فيؤكد في قصيدة "الوطن الواحد":

أقباط مصر ومسلموها
ساعدان لها
يردان العدو
ويرفعان لواءها الوطنيَّ
فوق كتائب النهضة. (الديوان، ص114-115).

ويعبر عن وحدة الشعب المصري بكل أطيافه ومشارب ثقافته تعبيرا جميلا سلسا، وذلك في قصيدة "تاريخ من العشق"

كان القداس القبطيُّ
بمذبح معبد آمون
يعانق
في أذنيّ المسلمتين
آذان الظهر. (الديوان، ص155).

وهكذا لم يترك الشاعر د. أحمد تيمور قضية أشغلت الرأي العام المصري والعربي أيام الثورة إلا وتحدث عنها شعرا يفيض عذوبة ورقة، عفويا عفوية الثورة نفسها، مبتعدا عن بلاغة التراكيب المعقدة، والجمل الشعرية الغامضة، ليشارك في تلك الأشعار أحلام الثائرين، وهكذا هو شعر الثورات، وهكذا لا بد أن يكون.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى