السبت ٨ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١١

المنشطات الجنسية والموت الصامت

الطبيب عصام مرتجى

لقد تعود الإنسان ومنذ القدم لأن يبحث في الطبيعة عن دوائه ليعالج كل ما يعتري جسده من إعياء أو مرض. ولقد كان العطار فيما مضى يلعب دور المعالج والطبيب الجهبذ... لدرجة تجعل من مهنته شاهبندر التجار، وقوافله التجارية تجوب البلاد شرقا وغربا... طولا وعرضا.... ولا عجب إن فاضت خزائنه بالدنانير والقناطير المقنطرة من الذهب.... فحاجة الإنسان للصحة تجعله مرهونا لمن يملك العلاج، ويشتري دوائه مهما كان الثمن ويدفع للمعالج مهما طلب.... ومن وجهة نظر الرجل؛ فلا ثمن يعادل الرجولة إن كان بها العطب...!

ولكن القضايا الجنسية كانت ولا تزال تعامل في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بقدر كبير من الحرج و الكتمان ... ومن هنا كان منشأ الخطورة التي تعرض الإنسان المعوز إما للنصب و الاحتيال أو لتعريض حياته للخطر أو كليهما معا.

فيما مضى كان الناس اللذين يعانون من ضعف جنسي يلجئون للعرافين أو للعطارين.... فيوصفون لهم العجب العجاب من الطلاسم والتمائم والحجب.... مع غرائب الوصفات من بول الحيوانات... أو مائها المهين...!!! أو السحالي المجففة والضفادع والعجيب من الزواحف والقوراض والحشرات.... مع عجائب الخلطات من السوائل والتوابل والبهارات...!!! فيأخذها المسكين ويخبئها عن عيون الناس.... وخاصة عن عيون زوجته لكي لا تشك في رجولته أو يهتز قدره أمامها!!؟؟ فإذا تدهورت صحته أو قضى نحبه.... كان قضاءا وقدرا .... وينجوا الفاعل بجريمته بلا عقاب ويستمر في عمله هذا بصمت وتتكرر الوصفات والحالات...!!!

ولكن اليوم، وبعد التطور الهائل في مجال الطب والدواء، صارت العقاقير والعلاجات والمنشطات الجنسية متنوعة ومتعددة، ولا تقتصر على علاج العِنـَّة الجنسية... ولكن توسعت وتشعبت، وصارت لا تقتصر على كبار السن العاجزين جنسيا أو مرضى الإحباط من الشباب، ولكن صارت تشمل عقاقير لعلاج العنة الجنسية لدى الرجال أو البرود الجنسي لدى النساء... وعقاقير أخرى لتطويل فترة الجماع وتطويل العملية الجنسية.... وعقاقير أخرى لزيادة الرغبة والشراهة الجنسية لدى الجنسين.... والقائمة طويلة ومفتوحة لتشمل الكثير الكثير من عقاقير متنوعة ومختلفة تخص فقط العملية الجنسية.

ومعظم هذه العقاقير يتم تروجيها وفي كثير من الصيدليات بغير وصفة طبية، مع أن معظم هذه العقاقير والعلاجات قد يؤثر بدرجة عالية الخطورة على صحة الشخص المتعاطي لها لأنها في الغالب لها تأثير بصورة أو بأخرى على الجهاز العصبي المركزي وعلى الدورة الدموية ولا يجوز تناولها إلا بوصفة طبية من قبل طبيب مختص!!

ولكن لحساسية المواضيع الطبية والعلاجية ذات العلاقة الجنسية في مجتمعاتنا، فإن الكثير من الناس يتداولون هذه العقاقير والمنشطات الجنسية بصورة غير شرعية ويحصلون عليها من أناس غير مؤهلين لتداولها ولا يعلمون بمحاذيرها ولا مخاطرها... ولعائدها المالي الكبير فإن مروجيها يحرصون على تهريبها بطرق غير مشروعة متنوعة ومتعددة.

ولقد زاد الطلب على هذه المنشطات في المجتمعات العربية بعدما تم غزوه بعدد هائل من وسائل الاتصالات والإعلام المروجة للقنوات الإباحية، فشوهت شهوات الشباب وحرفت غرائزهم وزادت شبقهم وشراهتهم الجنسية. فتبدل الحال وصار جُل الباحثين عن المنشطات ومعظم ضحاياها.... هم من الشباب السليم الصحيح جسميا ونفسيا !!! فدمرت صحتهم وحرفت نفسيتهم.... وظهر موت الفجأة في كثير من الشباب!!!؟؟؟؟

الخطورة تكمن في أن كثير من الناس يشعر بالحرج والخجل من إخبار حتى اشد المقربين منه بتناول هذه العقاقير(حتى الزوجة !!؟؟)، وإذا توعك أو مرض أو تدهورت صحته بعد تناولها فإنها لا يخبر أحدا... خوفا من الحرج الشديد بان ينعت "بضحية شهوته "!!!!؟؟؟؟ وإذا قضى نحبه..... فقد مات وسره معه... ولا يسع أقاربه سوى أن يقولوا بأن موته كان قضاءً وقدرا مقدورا...!!!

إن هناك كثير من الأدوية التي توزع على أنها منشطات جنسية هي مهربة ولا يعرف مكوناتها الأساسية، ولا مقدار محتوياتها الحقيقية من المواد العلاجية.

و قد أدى انتشار وكثير من هذه المنشطات إلى أعراض مرضية وعلل مزمنة ولأمراض نفسية واجتماعية وعضوية خطيرة.... ومنها ما أدى إلى الإدمان (مثل عقار الترامادول الذي غزى مدينة غزة).

ولكن لا أحد يعزي نتيجة هذه الأمراض والعلل (أو حتى أحيانا الموت) لهذه المنشطات.... لأن الناس يتداولونها بالتهريب وبالكتمان وبصمت... و يشترونها بصمت.... ويتناولونها بصمت... ويمرضون بصمت.... ويموتون بصمت.!!

من هنا نقول بأنه يجب على الجهات الصحية والتعليمية المختصة في كل مكان من بلادنا المنكوبة بهذا البلاء، ومن خلال وسائل الإعلام المختلفة، إلى توعية الناس وتحذيرهم ... بأنه يجب عدم تداول أي دواء أو عقار مجهول المصدر أو مهرب، وعدم تناول أي عقار أو علاج جنسي إلا بعد استشارة مختص، وعدم وصف العلاج لآخرين لأنه قد لا يناسبهم وقد يضرهم.

وكذلك يجب محاصرة المهربين والمروجين للعقاقير والمنشطات الجنسية كما يحارب تجار المخدرات... فكلاهما واحد....

والأمانة تبقي في أعناق الجهات الرقابية الصحية والطبية المختصة.... لأن الذين يذهبون ضحايا هذه العقاقير والمنشطات هم ليسوا فقط ضحايا المروجين.... ولكن ضحايا من غفل أو عجز عن رقابة ومحاربة الترويج.

دمتم سالمين.

الطبيب عصام مرتجى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى