الثلاثاء ١٨ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١١

يوم الحمار العالمي!

فوزي صادق

بمجرد أن سمع أبا سالم بسقوط حماره العجوز بمياه التصريف، حتى هرول فزعاً إلي مكان الحادث!.. رحل الحمار العزيز بعد سبعة وعشرين عاما قضاها في خدمة أبي سالم وعائلته، فتلقى صاحبنا العزاء من أبناء عمومته وأصدقائه.. حتى أنقضى عام على رحيله، وأصبح لدى أبا سالم حماراً شاباً من الرعيل المطور، والحيوية المبطنة قد فاضت من جوانبه، لكن مازال أبا سالم يقف عند تلك الترعة كلما مر بها، وما زال يسير بخطوات بطيئة وحزينة حتى ذاك المكان، وروحه ترقص حزناً على أطلال الحمار العزيز، حتى طلب من أحد ابناءه أن يضع لافتة تخليداً لذكراه، وأن يكتب بها (هنا رحل صديقي المخلص).

نعم سيدي القارئ الكريم، لاتستغرب مما فعله أبو سالم، فالحمار أصدق وأصبر مخلوق على الأذى، وله بصمات جليلة في مسيرة الإنسان وخلافته على الأرض، فحتى الأنبياء عاشوا حيناً من الدهر برفقة الحمار.. في السلم وفي الحرب، وفي الحل والترحال، وفي تبليغ رسالاتهم السماوية، كما فعل النبي محمد وعيسى وعزير وموسى ويعقوب عليهم السلام، فالحمار إبن عم الحصان، وهو لايقل عنه أهمية وعطاء، فإن كان الحصان صديق الأنسان بالحـرب، فالحمار أنيسه بالسلم.

مسكين ومظلوم أيها الحمار، فقد تعودنا أن نكرم السامع والملائكة عند ذكرك، وتعودنا أن نرمي ونشبه الأغبياء من بني البشر بك، مع إنك أذكى وأنفع من كثير مما يدب على الأرض..وإن فكرنا ملياً، كلها تفـتقر العقل، ومن باب العدالة والمصلحة أن نقرب إلينا من ينفعنا ويخدمنا أكثر، والواقع إن الحمار أخدم وأنفع حيوان للبشر على وجه الأرض، حتى أكاد أجزم بإن كل إنسان قد رأى حماراً في حياته، وإن كل قرية أو مدينة، قد قطنت من قبل الحمير يوما ما، ومآثرها مازلت تنطق بذلك.

يقول علماء الحيوان، ظهر الحمار على وجه الأرض قبل أربعة ألاف عام قبل الميلاد بشرق أفريقيا، أي قبل الحصان بألفي عام، وإنه حيوان مستأنس وصبور ومخلص ووفيّ، ولايعصي الأوامر الموجهة إليه، وأنثى الحمار تسمى الأتان، وإبنهما هو الجحش، ولقد تزوج الحمار من بنت عرقه الفرس وأنجبا البغل حامل الأثقال والأعتاد العنيد، ولقد عرف الحمار بذاكرة قوية جداً وحاسة سمع لايستهان بها، وقد تعود الإنسان أن يصطحب الحمار مع قوافل السفر وأرتال الجيوش، لأنه أفضل دليل للطرق الجديدة والغير مأهولة، حتى أصبح كالطير الزاجل على الأرض.
الحمار حيوان أذكى مما نتصور، وله صفات ومآثر لانعرفها أو قد نتعامى عنها، حتى مع أتهامنا له بالغباء المنقطع النظير، لكن تكليفه التكويني جعل منه مطيعاً صامتاً، والذنب ليس ذنبه إن كان صوته شهيق وزفير بنشاز، حتى ذكره القرآن بأنكر الأصوات.. وهذا لايقلل من قيمة الحمار وينكر بصماته الجلية، فهو مخلوق ممكن الوجود كأي حيوان آخر، ولو صنفنا الحيوانات بقدر عطائها، لكان الحمار في مقدمتهم، ولقد مدح الدميري الحمار في كتابه حياة الحيوان الكبرى وشرح فيه.

وفي المأثور، يقال إن خمسة إخوة قد أضاعوا أمانة أبيهم بعد سفره للحج، وهي حماره الأعرج، فلما بحثوا عنه وجدوه قد سقط في بئر مهجورة بالجوار، فأقترح بعضهم أن يدفنوه بالرمل حتى يموت ولا تخرج رائحته، ففي كلا الحالتين هو ميت، وهكذا أتفقت عقولهم الذكية على أنجاز المهمة، فرموا بالرمل تباعاً، والحمار ينفض نفسه كلما تلقى كومة، ويدوس الرمل تحت حوافره حتى أرتفع للأعلى وخرج من البئر، ونهق في وجوههم وكأنه يقول لهم أنتم الأغبياء وأنا الذكي! وفي عصرنا هذا، أتخذ حزب الديمقراطيون بأقوى دولة بالعالم وهي (أمريكا) الحمار شعاراً لهم، كونه جلد صبور ولايعرف اليأس.

الحقيقة التي يجب أن تقال مع إحترامي لمن يخالفني، إن إنساناً بلا عقل أوضع من الحمار! وربما سيحاكمني الحمار يوماً لقولي هذا، كوني شبهته بمخلوق لايهش ولاينش، فالحمار برستيج مطلوب للمزارعين بالشام، وقائد رئيسي فعال لمسيرة الماشية، ويصل بصاحبه النائم لعدة كيلومترات حتى يتوسط مزرعته، وإن مـر بحفرة في طريقه يتخطاها عند عودته، والإنسان مع الأسف يقع بنفس الحفرة كل يوم مع إحتواء أم رأسه للعقل الجبار!، وأختم مقالي بقصة الحمار العجوز الذي أخذه أبن القرية الموكل إلي قمة الجبل كل يلقيه وينهي حياته لأنه لم يعد ينفع وأنتهت صلاحيته، وبينما كان يدفعه، زحفت رجله وأنحنى الحمار وسقط الشاب إلي أسفل الوادي، فرجع الحمار إلي القرية وهو ينهق ولسان حاله يقول: لا مفر يامعشر البشر.. على فكرة: أقترح أبوسالم الفلاح على عمدة القرية أن يكون يوم رحيل حماره ( يوم الحمار العالمي).

فوزي صادق

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى