الأربعاء ٢٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١١
بقلم فؤاد وجاني

الناتو... ليست حبيبتكم

كنت أنوي كتابة قصة قصيرة بطلتها ضفدعة نقاقة، خططتُ السطرَ الأولَ وسطرتُ ، وإذا بي أسمع نقيقا منبعه قناة إذاعية على الشبكة العنكبوتية لأحد الثوار الليبيين العملاء متشدقا بالناتو شاكرا فضلهم مادحا صنيعهم، ثائر لأنه قال لا للظلم والاستبداد، وعميل لأنه قال نعم لحلف الناتو برئاسة أمريكا وفرنسا ومن والاهم.

يتساءل المرء عما يجب وما لا يجب، المنطق بلغة العقلاء أو الحق بفقه المؤمنين يدفعنا إلى أن نصطف في صفوف الثورة العربية المشتعلة، نصدح بها بملئ الفم وفخر الصدر، وكل حاكم مُصر على استبداده هاتك لشعبه سفاك لدمه هادر لحريته يجب أن يلقى نفس مصير مبارك وبن علي والقذافي، لكن المنطق والحق هما أيضا ضد تدخل الغرب في أي شبر من الأرض العربية وفي أي سطر من قوانينها ودساتيرها وفي كل قطرة غاز ونفط وحبة فوسفاط وثمرة من خيرها.

لا نريدهم على أرضنا وفوق جونا وفي بحرنا، حتى سياحهم لا يدخلون أراضينا إلا بتأشيرة صعبة المنال، وحين نقايضهم ونتاجر معهم يجب أن يكون ذلك بشروطنا. ولى عهد الانحطاط وحان موعد استرجاع الكرامة العربية التي أفقدها الحكام العرب بقلة المروءة والحنكة والصلابة السياسية، ولا نريد ديموقراطيتهم الخادعة التي أفرغت روحهم ولا رأسماليتهم التي دمرت اقتصادهم .

الحرية التي نادى بها الشعب العربي لم تكن للوقوع في مخالب نسر الناتو الذي كان ومافتئ أول المتآمرين على الشعوب العربية الأبية، وإن نسينا فأرواح الذين قضوا نَحْبهم ومازالوا في أفغانستان والعراق تذكرنا، وملاحم المختار ضد الطليان تذكرنا، وقبور المقاومين الشهداء ضد كل استعمار غربي تذكرنا.

لقد كانت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية أول المتآمرين على الشعب الليبي عبر ديفيد وولش المساعد السابق لوزير الخارجية في عهد جورج بوش، وولش هذا هو نفس الرجل الذي توسط لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والنظام الليبي في عام 2008.

وولش الآن يعمل لشركة بكتل، وهي شركة أمريكية لها صفقات بناء وتجهيز بقيمة ملايير الدولارات في دول الخليج العربي كقطر والبحرين وعُمان والإمارات والسعودية. وفي 2 أغسطس/ آب 2011 التقى ديفيد ويلش مع مسؤولي القذافي فؤاد أبو بكر الزليطني و محمد اسماعيل احمد في فندق فور سيزنس على بعد عشرات الأمتار من السفارة الأمريكية بالقاهرة، ودار اللقاء حول القضاء على المعارضة والمتمردين بمساعدة الاستخبارات الأمريكية والكيان الصهيوني إسرائيل، على أن يقوم نظام القذافي بمنح كل الوثائق الخاصة بتنظيم القاعدة أو ما يسمى بالمنظمات المتطرفة إلى الإدارة الأمريكية عبر الكيان الصهيوني إسرائيل أو مصر أو المغرب أو الأردن كما لو أنها نشأت من تلك البلدان.

بل أبدى وولش توجسه من وقوع الصواريخ الحرارية المحمولة على الكتف في أيدي الثوار، وطالب نظام القذافي بتقديم إحصاء دقيق لتلك الصواريخ المفقودة، ونصح النظام الليبي بأن يبرز للساحة وجوها تكنوقراطية للإعلام حتى تبدو معركته ضد الثوار وكأنها معركة الشعب الليبي وليست معركة النظام المستبد، بل إنه وصف حوادث الاغتصاب وقتل المدنيين الأبرياء بالادعاءات واستهجنها وحتى سخر من كلمة "حماية المدنيين".

وعلى الضفة المقابلة للبحر المتوسط ، ساركوزي الذي تظاهر بتأييد الثوار وأدار ظهره للقذافي هو نفسه الذي رحب به في 2007 خلال استقبال رسمي حافل بقصرالاليزيه، وأذن له بنصب خيمته البدوية في مفخرة فرنسا بحدائق فندق مارينيي وفي اليوم الدولي لحقوق الإنسان، وهو نفسه الذي حصل على أموال طائلة لحملته الانتخابية لأجل الفوز بعرش فرنسا.

فهل سيقع المجلس الانتقالي الليبي في نفس أخطاء نظام القذافي فيتبعون من لا يرون سوى مصالحهم وعلى رأسهم أوباما الذي امتدحه معمر آنفا واصفا إياه ب: "رجل يجنح للسلام" في نفس الوقت الذي أعلن فيه عن زيادة القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان.

فمتى يكف بعض الحمقى والجهلاء عن مغازلة باغية سفينتها لا تجري إلا بما اشتهت مصالحها، لاماء وجه لها ولا وعد ولا عهد، متى يدركون أن الناتو ليست حبيبتهم... الناتو ليست حبيبتكم...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى