الأربعاء ٢٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١١
بقلم مصطفى أدمين

ما أحتاج إليه الساعة

ما أحتاجُ إليه الساعةَ هو الصمت؛ الصمت المُطلق. وحتى دقاتُ قلبي لا أريدُ أن أسمعَها، ولا أزيزُ أفكاري المتضاربة.

صخبُ أنفاسي هو الآخر يُضايقني. وكلامُ الناس، صار عليَّ مثل طَرق مطرقة متجدِّدة على سِندانٍ أزلي. وضجيجُ «الحضارة» لم أعُدْ أستطيعُ عليه صبْرا: أبواق، مُحرّكات، نواقضُها، أصواتُ حناجر صدئة، متعبة، كاذبة... ما أريدُ هو الصمت، ولو لبعض الوقت.
وكلامُ «الإنسانية» والحب؛ صار عندي كذباً، غدراً، خيانة.

بالأمس تقول:«أحبُّك لأنّك روحي»؛ واليوم تقول:«أكرهُك لأنّك ألذّ أعدائي»؛ وما الفرق بين الأمس واليوم إلاّ لحظة حُلم، وَهْم، أو جَهل.

قديما، كان الصُداعُ يأتينا من السماء الطبيعية؛ من رعدِها، بَردِها، رياحِها المدوِّية، أو نيازكِها... كان الصخبُ المقلِقُ يأتينا كذلك من الأرض؛ من هدير وديانِها، دويِّ زلازلِها، انفجار براكينِها، ومن أصواتِ غاباتِها... وكان يأتينا أيضا من البحر هديرُ موج، وعيدُ عاصفةٍ، وقصفُ باخرة شراعية...

واليوم، صارتْ القطراتُ اليتيمةُ لِصنبور دورة المياه تؤلمُنا وتُرهبُنا.

ما نحتاجُ إليه الساعة هو الصمت. لِنُسكتْ ـ إذاـ الأشياءَ لكي نستمع إلى حكمة الصمت! فلا سماعَ بعد الساعة لقلبٍ أو عقلٍ أو صديقٍ أو عَدُوٍّ، أو سماءٍ أو أرضٍ، أو شعرٍ أو موسيقى...

وحتّى الأشياء الصامتة أصلا، يجبُ أن نمتنعَ عن الاستماع إلى كلامِها الخفِيّ.

كفى ضجيجاً يا أصحابَ الأصوات! فما سمعنا منكم سوى الأكاذيب والألم.

كفاك هديرَ رعدٍ ووعيدَ أيّتُها السماء! أنا ما عُدْتِ كما عهدتُكِ رمزاً للعدْل وأملا في السكينة.

وأنتِ يا أيّتُها الأرضُ ـ الأمُّ، كُفّي عن تأليمي بالأنينْ!

ويا أيُّها الشاعِرُ النوريُّ، أمسِكْ لسانَك عن القراءة؛ فأنا لم أعُدْ أقدِر على سماع معانيك مهما كانت جميلة... فأنا كائنٌ متعبٌ من السماع.

وأنتِ يا أيّتُها الحبيبة البعيدة، لا تنقري بعد الآن على ملامسِ هاتِفك المحمول لكي تَرْقُني بها رسالة قصيرة عن «الحب»!
ـ حبيبتي... أنا أكرهُك.

أين نحنُ من جبروت الأصوات التي تخترقنا من الأرض والسماء؟

ـ حبيبتي... حبِّي لك ضاع في ثنايا الذبذبات غير المسموعة، وصليل الطائرات والإذاعات والقنوات الفضائية... حُبّي سوّقوهُ على المَجلات (الفضائحية) الرقمية والجرائد... ثم غنّوه أغنيات ساقطة، وساقوه في بورصة «انعدام القِيَم».

ونحن في شهر «رمضان» تملّكتني «الحقارةُ الصوتية».

ونحن في شهر «العيد» أتذكّرُ (صدّام) المعدوم، و(بنعلي) الهارب، و(مبارك) المخلوع، و(القدّافي) المقتول، و(صالح) المحروق، و(الأسد) الموعود بجهنّم الأرضية، و(البشير) المحكوم علية بالقوى الدولية... وأستحضر معاناة الشعوب في خضمِّ الصخب الإعلامي، وأبكي لبكاء الأيتام والتكالى.

«الربيع العربي» جميلٌ، لكنّ: هل لمستقبل العرب مستقبلٌ من دون هسيسِ أسلحة الخيانة؟

والساعة: من أنا؟ وماذا أريد؟ ومن الصديق، ومن العدو؟ وإلى حين أن أعرف، لا بُدَّ لي من بعض التفكير والمناجاة الصامتة...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى