الاثنين ١٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١١
بقلم رواء الجصاني

ذكريات وشهادات حول «ذكريات» الجواهري

صدر في عام 1989 الجزء الأول من «ذكرياتي» للجواهري الكبير، وأعقبه الجزء الثاني عام 1990... وحول الجزأين الذين أرّخا للبلاد العراقية وشاعرها الرمز، نُشرت العشرات من التقييمات والآراء، فيها الغث والسمين كما يقال، ولكن ذلك ليس ببيت القصيد الآن... فما نريد التوثيق له، وان في عُجالة، في هذه التأرخة، هو كيف صدرت "ذكرياتي" ذات الاكثر من ألف صفحة من القطع الكبير... وكيف كان الجواهري يحسب لذلك الأمر ألف حساب وحساب، وكم أرهق نفسه، كثيراً، وطويلاً، لكي يستقر على طريقة اعتقدها مثلى لإنجاز ذلك السفر...

... لقد بدأ الشاعر الرمز في أوائل الثمانينات الماضية كتابة رؤوس أقلام ومواجيز وخلاصات استهلك فيها عشرات الصفحات، يضم مركز الجواهري في براغ اليوم وفرة نادرة منها... ثم ترك ذلكم النهج، باحثاً عن "أريب" أو "أديب" ليحاوره مباشرة في تاريخ امتد قرناً، ولينقله بعدها إلى من يقرؤون... واذكر هنا ان شخصيات ثقافية بارزة مثل العراقي: هادي العلوي واللبناني: محمد دكروب والسوري: صابر فلحوط، راودوا مخيلة الجواهري بهذا الشأن... وقد فتحت شهيته لذلك "الاسلوب" في تسجيل الذكريات، مجريات وخلاصات الحوار الموسع الذي اجرته الكاتبة والاديبة اللبنانية هدى المر، ونشرته في مجلة "المجلة" اللندنية الأسبوعية بتسع حلقات متتابعة عام 1982... واشهد في هذه التأرخة ان الجواهري كان معجباً بالحوارات التي اجراها معه الأساتذة: علي جواد الطاهر لمجلة الكلمة، وحسن العلوي لمجلة "ألف باء" ومحمد الجزائري لصحيفة الجمهورية، في عقد السبعينات، وخاصة بأسلوبها، واختيارات محاورها... وبعد فترة لم تطل، استعاض الجواهري عن ذلك الخيار بآخر، وهو توثيق الذكريات بأشرطة فيديو، عبر كاميرا خاصة، استعارها، ولنقل استحوذ عليها، من المسؤول السياسي العراقي في دمشق آنذاك، فخري كريم... وقد سجل بالفعل – وبمساعدتنا - أكثر من عشرين شريطاً، سُرق بعضها، وتلف قسم آخر بسبب سوء الحفظ... وثمة عدد منها – كما علمنا اخيرا - موجود حتى اليوم لدى كفاح الجواهري النجل الرابع للشاعر الكبير...

... لقد ترافق مع تسجيل الذكريات على أشرطة الفيديو اياها، تسجيل أشرطة كاسيت صوتية في نفس الآن والزمان والمكان، ببراغ في أعوام 1984-1986... ثم قامت بعدها نخبة متطوعة من معارضين ومناضلين عراقيين في دمشق عام 1988 وباشراف المسؤول السياسي انذاك، حميد برتو، بتفريغ تلك الأشرطة التي بلغت نحو ثمانين ساعة، على الورق، ثم لتقرأ المسودات بشكل أولي، وتدقق ثانية، بمشاركة مباشرة من كاتب هذه التأرخة... ثم لتطبع من جديد، وليعمل عليها بجهود بارزة، وغيرها، أكثر من باحث وكاتب واعلامي، ولا سيما: فالح عبد الجبار وزهير الجزائري... وكذلك خلدون جاويد وهاني الخير، ولتوضع بعدها أمام الجواهري، فيعيد، ويصحح ويحذف ويوجز، ويوسع، وبالاعتماد على ذاكرته وحسب، وهو ابن تسعين عاما. ثم ليصدر بعد ذلك جزءا "ذكرياتي" على الشكل الذي صدرا به...
لقد كان مبدأ كتابة "الذكريات" موضع تردد كبير، أصلاً، لدى الجواهري... فمثل ذلك الأمر قد يعني، من جملة ما يعني، ان المرء قد وصل الى نهاية المطاف في العطاء... ولاشك فان مثل هذه الحال لم تكن لتخطر في بال الشاعر العظيم، وان كان على أعتاب التسعين... وذلك ما كان بالفعل، إذ ثمة قصائد ومواقف عديدة قد تجلى بها، وتجلت عنده، ولنحو سبع سنوات تاليات...

وبمثلما افصحت عنه مقدمتا جزأي " ذكرياتي " راحت التفاصيل والايجازات واستعراض المواقف، بصراحة ومباشرة لمديات بعيدة. واشهد هنا أيضاً كم كان الجواهري معجباً باسلوب ومضامين ذكريات البرتو مورافيا، وارنست همنغواي، وسلفادور الليندي، وميله للاستفاده منها اسلوباً، لولا الاختلاف في وعيّ وثقافة متلقي اولئك المشاهير، ومجتمعاتهم، عن متلقي ومجتمعات "ذكريات" الجواهري...

... وبحسب احاديث خاصة للجواهري مع كاتب هذه التأرخة، فقد كان اشد ما يقلق باله هو الجزء الثالث من ذكرياته، والذي لم يباشر حتى في كتابة مسوداته، اذ كان يجب ان يشمل الفترة التي تلت عام 1969 الذي انتهى عنده الجزء الثاني... اما بعض أسباب ذلك "القلق" فقد كان تعقيدات الأحداث العراقية، ومواقف الشاعر الكبير منها، الايجابية والسلبية بشكل عام. ومن بينها قيام وانفراط الجبهة الوطنية في عقد السبعينات، والعسف والارهاب الدمويين الذين ادامهما النظام البعثي الثاني طوال اعوام حكمه... الى جانب الحرب الكارثية مع ايران والغزو الغاشم لدولة الكويت... وكذلك تنازع وتشتت قوى المعارضة الوطنية، وموقف الجواهري الناقد، بل والغاضب من ذلك. ولعل قصيدته "الاخوانية" إلى الزعيم السياسي جلال طالباني عام1980 توضح الكثير من الشؤون ذات الصلة... كما ولابد أن نشير بهذا السياق إلى ما شهدته السنوات التي نعني بها من مغاضبات وخصومات خاضها الجواهري – اختيارا او اضطرارا- على الصعيد الفكري والثقافي ومن بينها " حواره " مع سهيل ادريس، كما في قصيدته "ياابن الفراتين" عام 1969... ورده على غالي شكري في قصيدة "آليت ابرد حرّ جمري" عام 1975... دعوا عنكم هضيمته من المجتمع والبلاد، واولي امريهما بشكل رئيس، مثقفين وسياسيين وعداهم....

أخيراً من الجدير بالاشارة - على ما نزعم- إلى اننا وثقنا الكثير حول تلكم الشؤون والشجون اعلاه في كتابنا (الجواهري أصداء وظلال السبعينات) الصادر عام 2000 وكذلك كتاباتنا ومتابعاتنا عن ثمانينات وتسعينات الشاعر العظيم التي نشرت على الانترنيت والعديد من وسائل الاعلام، في الأشهر والسنوات القليلة الماضية...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى