الاثنين ٢١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١١
بقلم عبد الله العبادي

طفولة مهمشة أم مجتمعات قاصرة؟

إن تناول ظاهرة التهميش والإقصاء أو تشغيل الأطفال يتطلب أخد الموضوع في كل تجلياته الأسرية والمدرسية والعملية، للوقوف بشكل موضوعي ودقيق حول ظروف هؤلاء الأطفال من أجل الخروج ليس بحلول أو حتى أجزاء حلول ولكن برؤية شاملة لما تعانيه هته الفئة من استغلال. وعالم الاجتماع حتى وإن تقيد بالوصف الدقيق سيتهم دوما بأنه يحث وينهى، وفي العادة، نحن لا نتكلم عمليا، عما هو كائن إلا لنقرر ما إذا كان يتم وفقا لطبيعة الأمور أم لا وما إذا كان عاديا أم لا مقبولا أو محرما، رحمة أو لعنة فالأسماء ملغومة بنعوت ضمنية والأفعال تنطوي على أوصاف صامتة تميل إلى التأييد أو الاستنكار. إلى إقرار الوجود والدوام أو إلى الخلع والطعن ونزع الاعتبار(2). إن أي مجتمع محكوم بالحالة التي يوجد عليها أطفاله، والطفل في كل الحالات هو العكسة الأساسية للمجتمع، إنه مرآته، وبتعبير إليتش فإن المجتمع لا يزال غير ناضج، ولم يتجاوز طفولته ذاتها ما لم يصبح قابلا لأن يعيش فيه الصغار .

فالمجتمع إذن مطالب بحماية أطفاله من الاستغلال في جميع صوره وأشكاله والعمل على توفير مقومات نموهم الجسمي والعقلي، لقد كان المجتمع الانجليزي أول مجتمع صدر فيه أول قانون سنة 1803 ينظم اشتغال الأطفال واقتصر على تشغيل الأطفال الأيتام والمحرومين الذين تعولهم الدولة بإلحاقهم بالصناعات البسيطة والأعمال الوسيطة، ثم صدرت سنة 1819 قوانين تخضع محلات تشغيل الأطفال لتفتيش الحكومة وفي فرنسا صدرت سنة 1841 قوانين تحرم تشغيل الأطفال قبل سن الثانية عشر سنة وتحديد ساعات العمل وطبيعته، فتوالت بذلك الاتفاقيات للحد من هذه الظاهرة بدءا من سنة 1919 حيث حددت منظمة العمل الدولية OIT السن الأدنى لتشغيل الأطفال في الرابعة عشر وحتى وقتنا الحالي، كما جاء في اتفاقية حقوق الطفل بالأمم المتحدة سنة 1989 : تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح ان يكون خطيرا او يمثل إعادة لتعليم الطفل أو أن يكون ضارا بصحة الطفل وبنموه البدني او العقلي أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك نوعين من الأطفال في ميدان الشغل : الأول يمثله أطفال خرجوا إلى الشارع لكسب العيش، مع قطع الصلات نسبيا مع عائلاتهم. النوع الثاني هم أطفال وضعهم آباؤهم في معمل لتعلم مهنة أو حرفة معينة وذلك لظروف معينة، كما أن جل الدراسات أجمعت على ان ولوج الأطفال لسوق الشغل في سن مبكرة تعود لعدة أسباب منها : فقر الآباء، ازدياد الصناعة والحاجة إلى أيدي عاملة رخيصة، تدهور العلاقات والأدوار داخل الأسرة بسبب خروج المرأة إلى ميدان العمل عدم رعاية الدولة لشؤون الطفولة وعدم كفاية المدارس المجانية وعدم توفير أمكنة لجميع الأطفال.

إن الإحصائيات الأخيرة التي أفصح عنها صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة UNICEF’ تؤكد أن هناك 250 مليون طفل أقل من 18 سنة يشتغل في العالم. مــنـهـم 300 000 بداكا، عاصمة البنغلاديش،و 7000 000 بجكارطا و 250 000 بـهـايــتــي و 150 000 بالبيرو وحوالي100 000 بسيريلانكا والباقي موزع بين إفريقيا وباقي الدول الأخرى (1). وما هذه الأرقام إلا دليل على الوضعية الصعبة التي تعيشها فئة عريضة من الأطفال في مختلف المجتمعات.

وفي المغرب يرى محمد أديب السلاوي في كتابه أطفال الفقر، أن السياسات الخاطئة التي تمت في النصف الأول من القرن العشرين كرست الفوارق الطبقية و تلاحقت الاختلالات بين ارتفاع الأسعار وانخفاض الأجور، ويضيف أن 11 مليون نسمة لا تصل نفقاتهم السنوية إلى 2700 درهم مع بداية الأزمة الاقتصادية المغربية لسنة 1991، وتتسع رقعة الفقر ليصبح 55% من الساكنة يعانون من الفقر حسب الإحصائيات الرسمية لسنة 1999، وحول الأسباب وراء تفشي ظاهرة الفقر، يرجعها محمد أديب السلاوي إلى خمسة: النمو الديمغرافي الذي لم يرافقه التخطيط الملائم، التحولات الاقتصادية العالمية التي كرست تردي الأوضاع الاجتماعية داخل الدول الضعيفة، ضعف النمو الاقتصادي، إشاعة الفساد بالإضافة إلى أسباب الاجتماعية وأخلاقية أخرى .

وحاليا يقدر عدد الأطفال المغاربة الأقل من 18 سنة ب 11 مليون و 235 ألف أي 39,1% من السكان وبذلك يدخل 24,2% من الأطفال المغاربة الذي تقل أعمارهم عن 18 سنة ضمن خانة الفقراء. يعيشون أوضاعا مزرية تتميز بالهشاشة في كل مجالات خاصة الصحة، التعليم والرعاية الاجتماعية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى