الاثنين ٢١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١١

أشياء للنسيان

زوليخا موساوي الأخضري

رمت بالوردة الحمراء الصغيرة. تتبعتها بنظراتها وهي تترنح قليلا تحت جناح الريح الخفيفة لذلك الصباح التشريني ثم وهي تتهاوى في بركة وحل صغيرة خلّفها رذاذ شتاء أعلن عن بخله.
لماذا تلك الأشياء البسيطة تشعل في قلبها الحنين إلى الوجوه التي غابت؟
 أنت غير طبيعية بتاتا. تعاتبها صورتها في المرآة. لماذا تتعلقين بهذه التميمات كطفلة ساذجة؟
 أولا هي ليست تميمات بل لحظات جميلة عشتها وتذوقتها ولكي أحفظ متعتها تلك في قلبي ...
 تجترّينها؟
 بل أحافظ على رمادها ساخنا في أعماق القلب.
 هل تتركين الباب مواربا للأمل؟
- أمل؟
- أن يتذكرك من أعطاك إياها يوما؟
-لا . فقط أتدفأ بالرخام علّه يصير مجنّحا.
 لا تكلّميني بالألغاز!
 لا تصنعي مني تمثالا مليئا بالفراغ والأسئلة العقيمة!

تفتح علبتها الفضية. ذاكرة مليئة بالسراب. تفرغها فوق اللحاف ثم ببطء شديد ترمي بمحتوياتها في سلة النسيان. هل ستتخطى الفاصلة بين الأمس و الغد؟

وردة ذابلة في غلاف بلاستيكي. ولد ظريف. أول حب في حياتها. كانت جولييت قد قدمت قربانا لحب أفلاطوني وأنا كارنين وسمت مأساتها بعجلات القطار. نبي جبران و حزن إليا أبو ماضي و ضجر بودلير الباريسي يملأ وجدانها و كانت هشة، سريعة العطب كجناح فراشة.

تسهر الليل تناجي وحدتها على تأوهات أم كلثوم و الوقت يتسلل هاربا دون أن تشعر بحفيفه المخاتل مزهوة كما كانت بنهديها العاريين تحت قميصها الحريري.

ثم توقف الزمن فجأة حين علمت أن فارسها تزوج من أخرى.

يكبرني بعشر سنوات.

لماذا تتفننين في خلق مبررات لكل الذين خذلوا أحلامك؟

تضع أحلامها المنكسرة و الوردة الذابلة في العلبة و تمسك حزمة رسائل. تنفض عنها غبار السنين و تفك الشريط الوردي:

حبيبتي مضطر أنا للرحيل. سأبحث عن عمل هناك في الضفة الأخرى و أرجع...لا يمكنني العيش من دونك… العالم من دونك قيامة!

تبتسم بمرارة . واحد آخر يصدّق كذباته.

أوجعتها أكثر جثث الوعود و التفاصيل الصغيرة التي تركها غيابه. ضلّلتها الأقنعة التي أثث بها ردهة عمر دام ثلاثين شهرا. و انغرز السؤال في دورة أيام تشبه بعضها حدّ الغثيان.

 كانت الظروف أقوى و لم يجد بدّا من الرحيل.
 ها أنت مرة أخرى تجلدين نفسك و تنسحبين إلى غفوة النسيان.
 ألم يكن عذره عذرا؟
 أكبر من الزلّة.

وردة مكررة. وجه ثالث. غياب آخر.

مرّ اليوم كحلم. التقت به. اغتسلت من نور عينيه. ارتوت من رحيق شفتيه. نامت و سبحت في سلام ذراعيه. فاضت وشوشاته و كلماته المجنونة على حوافي روحها . تسكرها و تروي عطشها للحب.

لكن أثر ندبة متغلغلة في بؤبؤ روحها تقبع كظل مخيف ثقيل جلف في الفضاء المحيط بهما. هل اشتدّ عودها؟ يستدرجها الصدى إلى الفجوة التي تشعر بها في أعماقها. هل للألم الماضي في الصدر صدى؟ هل تعبت روحها من أرشفة الخيبات أم عرفت في أعماقها أنه لا يستحق جنونها؟

ترمي بالوردة الحمراء المكررة. تتبعها بنظراتها و هي تترنح قليلا تحت جناح الريح الخفيفة لذلك الصباح التشريني ثم و هي تتهاوى في بركة وحل صغيرة خلّفها رذاذ شتاء يعلن عن بخله.

زوليخا موساوي الأخضري

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى